بعد تدهور أحوال لبنان الى درجة الانهيار، لا يمكن الّا التساؤل لماذا فشل عهد ميشال عون بالطريقة التي فشل بها وصولا الى ازمة اقتصادية مستعصية يظل افضل تعبير عنه ما حلّ بالنظام المصرفي اللبناني.
جاءت احداث يوم السبت الماضي الواقع فيه السادس من حزيران – يونيو تتويجا لسقوط سريع لبلد يعاني قبل ايّ شيء آخر من سلاح غير شرعي لدى ميليشيا مذهبية اسمها "حزب الله". لا تخفي هذه الميليشيا انّها تابعة لإيران.
يدفع لبنان ثمن عجزه عن الدفاع عن مصالحه وتفادي ان يكون ورقة إيرانية. هذا كلّ ما في الامر. أصبحت مصالح ايران تتقدّم على مصالح لبنان. هذا ما جعل لبنان يقع تحت العقوبات الأميركية وفي عزلة عربية في آن. هذا ما يرفض العهد الاعتراف به بدل لعبه الدور المطلوب منه لعبه، أي الدفاع عن مصالح لبنان التي تتناقض كلّيا، في ايّامنا هذه، مع مصالح ايران.
في يوم السادس من حزيران – يونيو 2020، مرّ لبنان بأحداث لا تذكّر سوى بحربه الاهلية وحروب الآخرين على ارضه التي اندلعت في الثالث عشر من نيسان من العام 1975 والتي وضع اتفاق الطائف، ثم خروج ميشال عون من قصر بعبدا في العام 1990، حدّا لها.
في يوم السادس من حزيران – يونيو من هذا الشهر أعاد "حزب الله" الى الواجهة شعارات طائفية ومذهبية لا يمكن ان تأخذ البلد سوى الى فتنة بين المسلمين انفسهم وبين قسم من المسلمين والمسيحيين. لم يكتف الحزب بتوجيه أنصاره نحو اطلاق شعارات مستفزّة لأهل السنّة فحسب، بل تحرّش هؤلاء ايضا بأحياء مسيحية مثل حيّ عين الرمّانة الذي انطلقت منه حرب 1975.
ما الذي جعل الوضع اللبناني يبلغ هذا الدرك؟ الجواب انّ ثمّة خللا أساسيا حصل بعد وصول ميشال عون الى موقع الرئاسة. في أساس هذا الخلل الحسابات الخاطئة القائمة على انّ في استطاعة الرجل لعب دور الحكم و"بيضة القبّان" في مجلسي النوّاب والوزراء.
تبيّن مع مرور الوقت ان "التيّار الوطني الحر" الذي يتحكّم به النائب الحالي والوزير السابق جبران باسيل ليس قادرا على ذلك. هذا "التيّار" لا يستطيع الّا ان يكون في حضن "حزب الله" الذي يحتاج الى غطاء مسيحي في ظلّ الظروف التي تمرّ بها ايران والمنطقة.
تبيّن ايضا ان "التيّار" قادر في بعض الأحيان على ابتزاز "حزب الله"، وهذا ما حصل لدى طرح موضوع تشييد معمل لإنتاج الكهرباء في سلعاتا. جاء التصويت في مجلس الوزراء مخالفا لما يريده جماعة رئيس الجمهورية. لم يكن طبيعيا الموافقة على تشييد مثل هذا المعمل في وقت لا حاجة اليه، إضافة الى عدم وجود تمويل له. لكنّ "حزب الله"، بإصرار من رئيس الجمهورية وجبران باسيل، ما لبث ان "اقنع" بطريقته رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب بالرضوخ لما يطالب به "التيّار الوطني الحر" الذي يريد معمل كهرباء للمسيحيين!
مضت ثلاث سنوات وسبعة اشهر على انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. يفتقد لبنان دور القيادة السياسية القادرة على قول الأشياء كما هي وتسمية هذه الأشياء بأسمائها.
ماذا يعني ذلك؟ يعني انّ القيادة السياسية لم تلعب الدور المفروض ان تلعبه، أي ان تكون قادرة على افهام كلّ من يعنيه الامر انّه يستحيل ان يدافع لبنان عن مصالحه في حال كان مطلوبا منه ان يكون ورقة إيرانية. هذا هو الواقع الذي يهرب منه العهد يوميا. لو كان العهد قادرا على الدفاع عن مصالح لبنان لما فوّت على البلد الاستفادة من مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل من العام 2018، أي منذ ما يزيد على سنتين. في غضون سنتين لم يتقدّم لبنان خطوة واحدة في اتجاه المطلوب منه بموجب "سيدر" الذي في أساسه الإصلاحات المفترض تنفيذها بغية الحصول على مساعدات دولية.
ليس سرّا ان مؤتمر "سيدر" ما كان لينعقد لولا جهود سعد الحريري رئيس الوزراء وقتذاك. قدّم سعد الحريري كلّ ما هو مطلوب منه من اجل إنجاح العهد معتمدا على ان رئاسة الجمهورية ستلعب لدور المطلوب منها لعبه، أي دور الوقوف على مسافة واحدة من كلّ الفرقاء اللبنانيين. المؤسف ان ذلك لم يحدث. انتصر فريق على فريق آخر في لبنان. انتصرت مصالح ايران على مصالح لبنان. فوّت العهد الفرصة الوحيدة التي اتيحت له واسمها "سيدر".
طار "سيدر" الذي تتحدّث الحكومة الحالية برئاسة حسّان دياب عن العودة اليه. من لم يستطع الاستفادة من "سيدر" لن يتمكّن يوما من الحصول على أي دولار من صندوق النقد الدولي. هذا عائد الى ان ليس في استطاعة لبنان التقدّم خطوة الى امام في ظلّ هيمنة "حزب الله"، أي بوجود ايران على البلد.
لم يعد "سيدر" موجودا. الفرصة الوحيدة التي اتاحها سعد الحريري طارت. ليس في استطاعة العهد الاقدام على ايّ خطوة ذات طابع إصلاحي. كلّ ما يستطيعه هو القاء المسؤولية على الآخرين، أي على السنوات الثلاثين الماضية. ينسى العهد حتّى حجم الديون التي تسببت بها الكهرباء التي هي في عهدة وزراء من "التيّار الوطني الحر" منذ العام 2009.
يتلخّص ما حصل بانّ لبنان لم يستطع وضع مصالحه فوق مصالح ايران. هذا العجز عن الدفاع عن مصالح لبنان في أساس الازمة الاقتصادية والسياسية التي غرق فيها لبنان. كلّ ما تبقى كلام لا معنى له وهرب من الازمة العميقة ذات الطابع المصيري ومن أسبابها الحقيقية.
كان هناك رهان على عهد يتمتع بحدّ ادنى من القدرة على لعب دور إيجابي على الصعيد الوطني. تبيّن ان ذلك ليس واردا. أضاع العهد الفرصة الوحيدة التي اتيحت له... فرصة "سيدر". ليس هناك من يمتلك شجاعة السؤال من عرقل "سيدر".
ما آل اليه لبنان يفسّر الخيبة التي نتجت عن التسوية الرئاسية، وهي تسوية كان لبنان في غنى عنها في ضوء كلفتها المرتفعة. هذه التسوية ستجعل منطقيا طرح سؤال من نوع هل سيبقى شيء من البلد الذي سيحتفل بعد اشهر قليلة بذكرى مرور مئة عام على قيام "لبنان الكبير" في أيلول – سبتمبر من العام 1920. هل سيبقى حتّى احتفال ومحتفلون؟