الكنيسة القبطية والقضية الفلسطينية

الكنيسة القبطية والقضية الفلسطينية

الكنيسة القبطية والقضية الفلسطينية

 صوت الإمارات -

الكنيسة القبطية والقضية الفلسطينية

بقلم - مصطفي الفقي

لا أنسى ذلك اليوم الذى دعا فيه قداسة البابا شنودة الثالث جمعًا كبيرًا وحشدًا متميزًا من المثقفين والسياسيين والإعلاميين المصريين والعرب فى القاعة الكبيرة للكاتدرائية المرقسية، وكان ذلك فى مطلع هذا القرن حيث كانت القضية الفلسطينية تمر بواحدة من أصعب منعطفاتها، وكانت إقامة الزعيم الفلسطينى الكبير ياسر عرفات محددة فى مقره بالمقاطعة فى رام الله، وكانت الأجواء الإقليمية متوترة عمومًا بسبب سياسات إسرائيل المعروفة وتصرفاتها العدوانية، وكان من بين المدعوين اثنان خدما فى مؤسسة الرئاسة هما السفير الراحل أسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية وكاتب هذه السطور الذى كان يشغل موقع رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان المصرى، وقد احتشد الجميع لسماع كلمة وطنية تفيض علمًا وسياسة وروحانية من قداسة البابا الذى أطلق عليه الجميع (بابا العرب) بسبب مواقفه القومية الواضحة ومبادئه الثابتة عربيًا ومصريًا، وقد أجرى البابا يومها اتصالًا تليفونيًا مسموعًا أمام الآلاف من الحاضرين بالرئيس أبو عمار، وكان لذلك وقع طيب على الرئيس الذى كان يعانى ورفاقه المناضلون السياسيون العزلة السياسية والإبعاد القسرى إذا جاز التعبير فى ذلك الوقت، وقد حرص البابا شنودة دائمًا على إبراز عروبة أقباط مصر وانحيازهم الشديد للحقوق الفلسطينية المشروعة وتعاطفه الواضح مع الظروف الصعبة التى يعانيها الشعب الفلسطينى على امتداد ثلاثة أرباع قرن، وهو ذاك البابا الذى ألقى محاضرة شهيرة عن علاقة اليهود بالسيد المسيح وخطاياهم فى حقه، وهو ذاته الذى قال: إن اليهود ليسوا شعب الله المختار، كما أن فلسطين ليست هى أرض الميعاد، وقد فند البابا الراحل ذلك بالأدلة والبراهين، ولا يخفى علينا أن البابا شنودة هو أستاذ فى التاريخ وعالم فى اللاهوت بل وضليع فى كثير من القضايا المتصلة بالحضارة العربية الإسلامية وشئون المنطقة عبر القرون، وأتذكر من لقائى معه بأننى كنت مبهورًا بعلمه الغزير ونظرته الشاملة لأصحاب الديانات من أهل الكتاب وأتذكر له أيضًا موقفه الثابت فى عدم السماح للأقباط بزيارة القدس والتبرك بكنيسة المهد، مطالبًا بأن يدخل المسلمون والمسيحيون إلى القدس ومسجدها الأقصى وكنيسة القيامة وهم جماعات متراصة دون تفرقة أو تمييز بحيث يدخل الجميع إلى المدينة المقدسة، لأن القدس هى مدينة أصحاب الديانات السماوية دون تفرقة أو تمييز لكن الحركة الصهيونية غيرت المعالم التاريخية الواضحة وحاولت طمس هوية تلك المدينة العربية المقدسة، ولكن كان لهم أصحاب الوعى وذوو المعرفة فى أنحاء العالم بالمرصاد، لأن تزييف التاريخ لا يمتد إلى العبث بالديانات أيضًا، ولقد ظلت الكنيسة القبطية قابضة على مبادئها متمسكة بثوابت القضية الفلسطينية دائمًا باعتبار أن أقباط مصر جزء لا يتجزأ من النسيج المصرى العريق الذى يحترم الحقائق ويؤمن بالمبادئ ويتمسك بالثوابت، ولقد حظيت الكنيسة القبطية بقدر كبير من الاحترام القومى والشعور الوطنى بأنها تؤمن بالمصير المشترك لكل أبناء الوطن الواحد، ولقد كنت فى زيارة برلمانية فى دولة البحرين فى ذلك اليوم الذى رحل فيه قداسة البابا شنودة الثالث عن دنيانا وأدركت يومها أن الذكرى الطيبة هى الباقية والسمعة الحسنة هى التى تستمر، فقد كان الحزن واضحًا على الجميع برحيل ذلك الحبر الجليل الذى أعطى للكنيسة القبطية توهجًا واضحًا، وقد استكمل مسيرته ومضى على طريقه البابا المستنير تواضروس الثانى الذى يتسم هو الآخر بالحكمة والهدوء والقدرة على مواجهة المصاعب وحل المشكلات من أقصر الطرق وأيسر المعلومات وأقل الخسائر.

إن الكنيسة القبطية قد تعاونت دائمًا مع الأزهر الشريف فى عناق تاريخى طويل تحت رايات القومية العربية والوطنية المصرية وامتزجت دماء الجميع فى الحروب التى خاضتها المنطقة حفاظًا على كرامتها، إن الكنيسة القبطية أيضًا التى تضم العدد الأكبر من مسيحيى الشرق الأوسط كانت دائمًا ولا تزال محافظة على مبادئها، حريصة على طقوسها، متمسكة بثوابتها خصوصًا أن قضية الشعب الفلسطينى قد أصبحت حاليًا بحق هى قضية الفرص الضائعة، كما أنها - بعد الحرب الأخيرة على غزة - قد تسللت إلى ضمائر الإنسانية فى كل أصقاع الأرض وباتت تتحدث فى دهشة عن غطرسة إسرائيل وأساليبها التى اتسمت دائمًا بإنكار الحقائق والعبث بالمقدسات وسرقة التراث وتزييف التاريخ!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكنيسة القبطية والقضية الفلسطينية الكنيسة القبطية والقضية الفلسطينية



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates