اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة

اعترافات ومراجعات (71) لغة القانون ولغة السياسة

اعترافات ومراجعات (71) لغة القانون ولغة السياسة

 صوت الإمارات -

اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة

بقلم - مصطفى الفقي

 

عندما التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة عام 1962 بهرتنى محاضرات القانون فى فروعه المختلفة، حيث إن الكلية الوليدة لم تكن قد حسمت أمرها فى التخصصات التى تحدد بها مواد الدراسة باستثناء أنها سوف تكون مزيجًا من كليات الحقوق والتجارة بل الآداب أيضًا، ولقد شدتنى مواد الدراسات القانونية، بدءًا من المدخل مرورًا بنظرية الحق وصولاً إلى فلسفة القانون، مستمدة من الدراسات المتصلة بتاريخ القاعدة القانونية وصفاتها العامة المجردة التى تنصرف إلى الناس بذواتهم دون الاعتبار بشخصياتهم، فالقانون هو علم الحياد وهو بحق المنظم الأول لحياة البشر، فإذا كان مهندس الكون الأعظم قد رتّب أموره على النحو الذى يكفل له الديمومة والبقاء فهو أيضًا الذى أعطاه ما يمكن أن يكون همزة وصل بين الأطراف المتشابكة للحياة، لذلك وجدنا أن القاعدة القانونية دومًا عمياء، ولذلك رمزوا للعدالة بسيدة معصوبة العينين، فهى لا تفرق بين غنى وفقير ولا بين سيد قرشى وعبد حبشى كما كانوا يقولون، بل هى تتجه إلى موضوع المادة القانونية التى يستمدها الشراح من القاعدة العامة، ومازلت أتذكر أن أستاذ القانون الذى كان يدرس لنا المدخل كان يعرف (الجزاء) بأنه زاجر دنيوى منظم، وهى لغة متخصصة تقترب من الرياضيات العليا، بحيث إنك لو رفعت كلمة واحدة منه لأصابها الخلل وفقدت مضمونها، ولذلك فإن لغة القانون محددة واضحة قاطعة، لأن قاعدتها مانعة جامعة. كما أن تلك اللغة الموجزة والشاملة فى الوقت نفسه لا تحتمل أكثر من تأويل ولا يتحقق معها إلا المعنى الواحد المتفق عليه، ولقد بهرتنى لغة القانون حتى إننى فكرت لو أننى كنت قد التحقت بكلية الحقوق وكانت خلفيتى فى تلك الحالة فرانكفونية لكان لى شأن أفضل، وفى ظنى أن رجل القانون يلم من كل المعارف بل كل فروع العلم بطرف لأنه يحكم بخبرته وأمانته وضميره، ويحسن أن يكون موسوعى الثقافة واسع الاطلاع متفهمًا لظروف المجتمعات وأصولها غير معزول عن المجتمع الذى ينتمى إليه ويرتبط به، ولقد عملت مع الدكتور أحمد فتحى سرور لأكثر من عشر سنوات رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان المصرى، وأعجبنى كثيرًا ذكاؤه الحاد وقدراته الكبيرة التى تجاوزت حدود القانون الجنائى الذى كان رئيسًا لجمعيته الدولية أيضًا، وكان يداعبنى كثيرًا ببعض القضايا التى مرت عليه وكيف تصرف فيها بذكاء واسع ورؤية ثاقبة، ولذلك كان طبيعيًّا أن يتبوأ المناصب السياسية والاقتصادية الهامة فى الدولة حقوقيون من رجال القانون، وقبل ثورة 1952 كان يمكن أن يكون وزير المواصلات حقوقيًّا، وكذلك وزير الصحة ومعهما وزير الأشغال، فقد كان الباب مفتوحًا أمام رجال القانون باعتبارهم السلعة المشتركة بين الجميع، ولا يعلو على وشاح القضاء وشاح آخر، فالعدالة هى القيمة الحقيقية فى المجتمعات القوية والشعوب الراقية، وتتردد قصة تقول إن الرئيس الفرنسى شارل ديجول عندما جرى استدعاؤه لإنقاذ فرنسا بعد أن كانت متورطة فى حرب الجزائر على نحو مؤلم فإذا بالزعيم الفرنسى العملاق شكلًا وموضوعًا يسأل كيف حال القضاء وقيل له القضاء بخير، قال إذًا فرنسا بخير! وتربطنى صلات طويلة بكثير من رجال القانون فى مقدمتهم الوزير مفيد شهاب صديق العمر وغيره من الوزراء والمسؤولين الكبار الذين درسوا القانون وعرفوا فصوله وفهموا فلسفته، وأدركوا أن القانون هو علم العلوم لا تسبقه إلا دراسة الفلسفة باعتبارها هى التى تحدد القواعد والحدود للتفكير العقلى الناضج للقضايا الإنسانية المختلفة.. إننى أحيى رجال القانون وأنحنى لهم تقديرًا وإجلالًا، مطالبًا بسيادة القانون وحده دون أى اعتبار لأمر آخر، لأن رؤية الإنسان المتحضر هى الأولى ولا شيء يعلو على القانون لغةً وفلسفةً وفكرًا، ورجال القانون نماذج وأمثلة وروادًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة اعترافات ومراجعات 71 لغة القانون ولغة السياسة



GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

لحظة تأمل

GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

حرب الجنرال الغائب

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

كِتاب غزة

GMT 04:29 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

الحرب الثالثة ماذا بعدُ؟

GMT 04:29 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

«أوديب».. وقد غادر الطائرة

GMT 04:25 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

وزراء كانوا هنا

GMT 04:24 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

القرار الخاطئ

GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates