بقلم : عريب الرنتاوي
مضى وقت طويل على آخر اتصال هاتفي تلقيته من الأخ إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحماس، أمس تحادثنا مطولاً، وقد استمعت منه لوجهة نظر الحركة في آخر مستجدات القضية الفلسطينية، وأظنه لا يمانع أن أشاطركم بعضاً مما قاله:
القضية الفلسطينية تمر بمرحلة استثنائية، تستوجب خطوات متناسبة مع حجم المخاطر والتحديات التي تجبه النضال الفلسطيني في هذه المرحلة...التقارب بين فتح وحماس، ووحدة الفصائل في الميدان، هي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، ستليها خطوات، وهي تجربة مختلفة بعض الشيء عن «حوارات المصالحة»، تقوم على رص الصفوف في مواجهة الخطر الرئيسي...هنا بدا الرجل متفائلاً ومصمماً على مواصلة هذا الطريق.
تحدث عن رغبة حماس وفصائل أخرى، بالتداعي لعقد اجتماعات لقادتها لاستكمال وحدة الميدان ببناء توافق أعمق حول رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة وتحدياتها وسبل مواجهتها، يبدو أن كورونا وعوائق السفر، قد تؤخر تنفيذ هذه الفكرة...لا أدري لماذا لا تستخدم تقنيات الاتصال عن بعد الحديثة، التي يلجأ إليها العالم بأسره، لتخطي عوائق كورونا وحواجزها، هل هي خشية أمنية أم مصاعب فنيّة؟...لا أعرف، وفاتني أن أسأل.
يَستشف المستمع لحديث «أبو العبد» أن ثمة ارتياحاً نسبياً للتعاون القائم بين حركتي فتح وحماس، وارتياحا لموقف القيادة الفلسطينية والرئيس عباس، وعزم على البناء على هذه المناخات الإيجابية، غير المسبوقة منذ سنوات عدة.
المراوحة في ترجمة قرار الضم يعود إلى: (1) موقف فلسطيني موحد رافض ومستعد للمواجهة...(2) موقف أردني متميز ومتقدم يحظى بالتقدير...(3) انقسامات داخل النخبة الحاكمة في إسرائيل والإدارة الأمريكية، على الشكل والتوقيت، وليس على الجوهر...(4) موقف دولي (أوروبي) رافض للخطوة الإسرائيلية... رفض الضم، لا يجب أن يحجب الأنظار عن القضية الأهم: الاحتلال.
الدائرة الأولى والأهم في مشروع المواجهة، ترتسم في فلسطين، والدائرة الفلسطينية – الأردنية، تليها مباشرة، ثم هناك دوائر عربية وإسلامية وأممية يتعين الانتباه إليها.
تثمن حماس عالياً الموقف الأردني، ملكاً وحكومة وشعباً حيال مشروع «الضم»، وهناك رغبة حمساوية في تعبيد الطرق لدور أردني أكثر فاعلية في موضوع «المصالحة»، لا توازيها سوى رغبة حماس في استئناف الاتصالات مع الأردن على المستوى السياسي، وليس المستوى الأمني الخفيض فقط...هنا، حدثته عن دعوات صادقة تصدر في عمان وتذهب في هذا الاتجاه.
من جهتي، كنت أفضّل أن أكون مستمعاً ما أمكن، فالرجل لم يبادر للاتصال إلا ولديه ما يقوله، لكن ذلك لم يمنعني من الإدلاء ببعض الآراء والمقترحات، منها:
أنني «متشائل» حيال تقارب فتح وحماس بعد مسلسل الفشل المتكرر لجهود المصالحة، مع أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، ستعززها بلا شك، لقاءات قادة الفصائل المنتظرة.
اقترحت شق «مسار ثالث»، يبدأ بتشكيل «مجموعة تفكير استراتيجي»، تتمثل فيها الفصائل الرئيسة، إلى جانب عدد من المفكرين والخبراء الفلسطينيين، تعكف على إدارة حوار معمق، بعيداً عن الأضواء، لبلورة «رؤية استراتيجية وطنية» تتناول تعريف وإعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني بعد انهيار «حل الدولتين»، تقديم تصور عن أطر وهياكل «النظام» السياسي الفلسطيني، بما ينسجم مع المرحلة الاستراتيجية الجديدة، الأدوات الكفاحية في المرحلة المقبلة، رسم خرائط طرق لإعادة وضع القضية الفلسطينية على قائمة أولويات الحركة الشعبية العربية ودمج النضال الفلسطيني بالكفاح العالمي ضد العنصرية إلى غير ما هنالك من عناوين كبرى.
هنيّة أثنى على هذه الفكرة، ووعد بعرضها على الرئيس عباس وقادة الفصائل، وانتهت المكالمة بالاتفاق على مواصلة البحث والحديث.