بقلم : عريب الرنتاوي
أردوغان يرسل بجيشه إلى شمال – شرق سوريا، مدفوعاً بأمرين اثنين: الأول؛ أحلامه العثمانية التي لم تقف عند حدود جرابلس والباب وعفرين، ولن تتوقف عند شرق الفرات، إن أتيح له البقاء والتمدد ... والثاني؛ شخصي، ويتصل بمستقبل الرجل وعائلته، الشخصي والسياسي، فهو يدرك أن بساط "الشعبية" بدأ ينسحب من تحت أقدامه، وأنه بدأ منذ انتخابات 2015 رحلة الهبوط، بعد أن بلغ ذروة غير مسبوقة، وهو لا يتوانى عن التفكير بإعادة تفصيل الدستور والقوانين على "مقاسه الشخصي"، وسط معلومات تؤكد نيته خفض نسبة الأصوات المطلوبة للظفر بانتخابات الرئاسة من 50 بالمائة إلى 40 بالمائة.
في الدافع الأول؛ ستلتحق مناطق شرق الفرات وما سبقها من مناطق في شمال غرب سوريا، بمصير "لواء الاسكندرون"، إن لم يجر تطويق الاجتياح التركي ودفن الأحلام التوسعية لأنقرة في الشمال السوري ... هي مهمة تقع أساساً على كاهل السوريين، بيد أنه يتعين على الدول العربية والمجتمع الدولي، أن تهب لنصرة سوريا في مسعاها لاستعادة سيادتها وصون وحدتها الترابية ... ليس الوقت مناسباً للتلاوم وتسوية الحسابات، فالتهديد يطال وحدة دولة عربية وسيادتها، ومستقبل شعبها وسلمها الاجتماعي.
في الدافع الثاني، يبدو أن رصيد "الخطاب المذهبي" الذي استند إليه حزب أردوغان لم يعد كافياً لتجديد "البيعة للسلطان"، هو اليوم يخاطب العصب القومي للأتراك، ويعيد انتاج خطاب "الجمعيات الطورانية" قبل أزيد من مائة عام، أملاً باستعطاف هذه الشريحة وكسب أصواتها في الانتخابات المقبلة ... أردوغان كسائر "الشعوبيّون"، مستعد لفعل كل شيء، وأي شيء، للوصول إلى سدة الحكم والبقاء فيها، وهو برهن على ذلك في أكثر من مرة خلال السنوات الأربع الأخيرة، وما حربه على أكراد بلاده وأكراد الخارج، سوى غيض من فيض ما هو مستعد لفعله... ومن المؤسف حقاً، إن بعض الإسلاميون في بلادنا، ممن فقدوا أي إحساس بانتماءاتهم الوطنية والقومية، يرقصون اليوم طرباً للاحتلال التركي لشمال سوريا، علماً بإن إسلاميي تركيا أنفسهم، أخذوا ينفضّون من حول أردوغان وحزبه، بعد أن فقد "العدالة والتنمية" ما يقرب من مليون عضو حزبي في سنة واحدة فقط.
المعركة مع الأتراك ليست سهلة أبداً، فسوريا خارجة مثخنة من حرب السنوات الثمانية، ولروسيا وإيران مصالح عميقة مع تركيا، لن تفرط بها، والمواقف العربية في معظمها، "ظواهر صوتية" لا أكثر ولا أقل ... لكن مع ذلك فإن ثمة أوراق عديدة يمكن تفعيلها لجعل مهمة أردوغان في الشمال السوري صعبة للغاية، إن لم نقل مستحيلة.
ينبغي أولاً؛ إحراز تقدم (اختراق) على مسار الحوار الوطني السوري الداخلي، وإدماج الأكراد في أنشطته، والنظر بعين التفهم لمطالبهم المشروعة، دون مبالغة أو تطيّر ... ويتعين ثانياً؛ تحقيق اختراق على دروب العملية السياسية والمصالحة الوطنية، فالجبهة الداخلية القوية، هي شرط الانتصار في معركة الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها ... والمطلوب ثالثاً؛ ألا يكف النظام عن إرسال رسائل الطمأنينة لللاجئين السوريين في تركيا وغيرها، يحثهم فيها على العودة الآمنة إلى مدنهم وبلداتهم، لسحب هذه الورقة التي طالما استثمرها أردوغان، في خلافاته مع أوروبا أو في حربه على سوريا.
كما يتعين على مجلس وزراء الخارجية العرب، أن يفتتح جلسته الطارئة غداً السبت، بدعوة دمشق لمعاودة نشاطاتها كعضو فاعل في الجامعة العربية، كما يتعين على الوزراء العرب، التفكير جدياً في توظيف الغضب والاستياء الدوليين من قرار أردوغان بشن الحرب على سوريا، لخلق أوسع جبهة عالمية مناهضة للتوسعية التركية.
تركيا سعت لتدمير سوريا ثلاث مرات: الأولى باحتضانها فصائل سلفية وجهادية وعصابات تحت مسميات معارضات من أجل تكريس تفتتها وتعميق انقساماتها، والثانية، بفتح حدودها البرية والبحرية والجوية لعشرات ألوف المقاتلين الأجانب في داعش والنصرة للعبور إلى سوريا والاستيطان فيها، والثالثة، اليوم، بإرسال جيشها ومرتزقتها من المسلحين السوريين لتدمير الشمال الشرقي وفرض احتلال تركي لمناطق تزيد عن ضعف مساحة لبنان.
القوات التركية دخلت الشمال السوري، لتبقى وتتمدد، وهي ستفعل في هذه المناطق ما تفعله كل يوم في عفرين، من عمليات "تتريك" وربط محكم بالإدارة التركية، والزمن سيعمل لصالحها، ما لم تنجح سوريا في رفع كلفة الاحتلال التركي لأجزاء من أراضيها، بالتنسيق والتعاون مع مختلف الحلفاء والشركاء و"مشاريع الحلفاء والأصدقاء" كذلك.