بقلم - عريب الرنتاوي
اختار بيني غانتس، جريدة الشرق الأوسط السعودية، لتقديم رؤيته للسلام مع الفلسطينيين، فتحدث عن "كيان مستقل"، "متصل جغرافياً" وعاصمة في القدس الرحبة، المدينة الموحدة التي ستظل عاصمة لإسرائيل، بيد أن لديها متسعاً لعاصمة فلسطينية فيها.
جذبت تصريحات غانتس، اهتماماً واسعاً...فاللغة والمفردات التي استخدمها، غابت عن "القاموس" المتداول في إسرائيل، في العقد الماضي، ولم تعد مستخدمة أبداً، في سنوات ترامب الأربع...لماذا للشرق الأوسط؟، لماذا الآن، وفي هذا التوقيت؟، وهل من قيمة لهذا الحديث والمتحدث؟
ولنبدأ من الآخر: فالسيد غانتس، يقود ما تبقى من ائتلاف أزرق – أبيض الذي سجلاً فوزاً كاسحاً في الانتخابات الإسرائيلية المبكرة الثالثة، بيد أن الرجل سرعان ما بدده، حين وقع في أحابيل نتنياهو وشِراكه، والتحق به بحكومة "التبادل"، متسبباً بانشقاق حزبه، وخروج جماعة (يش عتيد_لبيد)، و(تيلم-يعلون) ...لم يبق للبطة العرجاء سوى 17 عشر مقعداً في الكنيست، ولم يعد قادراً على وقف اندفاعات نتنياهو وألاعيبه.
اليوم، في حال ذهبت إسرائيل إلى انتخابات مبكرة رابعة (مرجحة ما لم يقدم غانتس مزيداً من التنازلات لنتنياهو)، فإن استطلاعات الرأي، لا تعطي الرجل أكثر من ستة مقاعد، في المقابلة المذكورة أمل في الحصول على ثلث أصوات "المترددين"، أي ستة مقاعد إضافية على الأكثر، وهذا مستبعد على أية حال...خلاصة القول، الرجل يقبع اليوم على هامش الخريطة السياسية – الحزبية لإسرائيل، بلا فرصة أو أمل في ترجمة أفكاره.
لماذا الشرق الأوسط؟، لكأني بالرجل، يسعى في توجيه رسالة للدول العربية، بدءاً من السعودية: ليس نتنياهو وحده صديقكم في إسرائيل، أنا صديق أفضل، بل وأقرب لرؤيتكم لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي...غانتس أفضل للعرب من نتنياهو، هذا هو جوهر الرسالة الأولى.
الرسالة الثانية، التي بعث بها غانتس، كانت موجهة إلى إدارة بايدن، التي تريد بعث "حل الدولتين"، وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية...غانتس يقول لبايدن: أنا معك، وأنا شريكك الذي يشاطرك النظر إلى "حل الدولتين"، ولست أمانع في أن يجد الفلسطينيون بقعة في "المدينة الرحبة" يتخذون منها عاصمة لـ"كيانهم المستقل".
الرسالة الثالثة: موجهة إلى قطاع من الاسرائيليين من بقايا "التيار المركزي" الذين صوتوا لكتلة أزرق أبيض، قبل أن ينفضوا عنها، ومفادها: أنا الجنرال المخضرم الذي سيحقق "الانفصال" على الفلسطينيين، ويحفظ أمن إسرائيل...رسالة انتخابية في جوهرها ومضمونها، سيما وان غانتس أدرك "عبثية" مغازلة معسكر اليمين، فهناك ثلاثة أحزاب كبرى سيتوزع عليها: الليكود، (أمل جديد) بزعامة جدعون ساعر، ويميناه-بينت"، إلى جانب الأحزاب الدينية واليمينية والدينية الأصغر، والأولى قادرة وحدها على تشكيل ائتلاف حكومي مريح، لولا المنافسات الشخصية بين قادتها.
رسائل المقابلة تفضح توقيتها: عشية انتخابات مبكرة رابعة، وقبيل وصول بايدن للبيت الأبيض، أما مضمونها، فمفخخ بالكثير من القنابل والألغام: قال كيان ولم يقل دولة، وعندما سأله الصحفي هل يقصد دولة، ردّ ساخراً فليسموها جمهورية أو حتى امبراطورية...قال "عاصفة في القدس"، ولم يقل "القدس الشرقية عاصمة لها"، تمسك بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ورأى فيها متسعاً لعاصمة فلسطينية (هل يقصد أبو ديس مثلاً)، "تواضع في حديثه عن "ضم" 30 بالمئة من الضفة، ولم يقل ما هي نسبة الأراضي التي يخطط لضمها، شكك في فكرة تبادل الأراضي، وتمسك بحاجة إسرائيل لغور الأردن، أمنياً واستراتيجيا، ورفض حلول قوات دولية محل قواته الاحتلالية...باختصار، كل فكرة عرضها الرجل في المقابلة: أولاً: سبق وأن طرحها سابقوه، وثانياً: جاءت مفخخة وملغمة، وثالثاً: ربما تكون بحاجة لصولات وجولات من التفاوض...هذا هو غانتس، وهذه هي رؤيته للسلام.