بقلم _ عريب الرنتاوي
أربعة مواضيع، لا يرغب الصينيون في مناقشتها مع ضيوفهم أو نقلها إلى الحيز العام: تجربة الزعيم ماو تسي تونغ وأفكاره ... الثورة الثقافية ... أحداث تياننمن ... ومستقبل تايوان بعيداً عن الصين ...مع أن التجربة الواقعية للصين الحديثة، تجاوزت هذه المحطات بأميال، إذ باستثناء محاولات بعض الغرب اللعب بورقة «تايوان»، فإن بقية العناوين باتت جزءاً من التاريخ.
وانت تغادر ضريح الزعيم ماو تسي تونغ المسجّى في ساحة الأشهر: تياننمن، بعد طول عناء وانتظار في الطوابير الممتدة لمئات الأمتار، يدهمك السؤال: لو قُدّر للزعيم الراقد في قلب بكين أن يخرج للحياة من جديد، ما الذي سيثير إعجابه، ما الذي سيثير غضبه، أية أفكار سيحتفظ بها، وأية أفكار سيتخلى عنها، وهل سيبقى «ماوياً» في نهاية المطاف؟
لست أدري ما الذي ستكون عليه انطباعاته ومواقفه، بيد أنني على يقين بأن الدهشة ستعقد لسانه، فالبلاد التي غادرها وهي تكابد لاحتلال مكانة لها تحت الشمس، باتت اليوم، ملء الأرض والسماء، وصناعتها تقتحم قارات العالم الخمس، وقدراتها التكنولوجية والعلمية وضعتها في مصاف القوة الاقتصادية الثانية، التي تزاحم لاحتلال المكانة الأولى على الصعيد الكوني.
لا شك بأنه سيعيد النظر في موقفه من «الملكية الخاصة»، فرأس المال الصيني، شريك نشط وأساسي في صناعة نهضة الصين الحديثة، وثمة طبقة كبيرة، بل وهائلة من أصحاب الملايين، وثمة طبقة متوسطة يجاوز تعدادها تعداد دول ومجتمعات بأكملها ... الموقع الذي اكتسبه «الفلاح» الصيني في فكر ما تسي تونغ، لا شك سيتغير، على الرغم من حاجة البلاد لأكبر قطاع زراعي في العالم، لإطعام مليار وثلاثمائة مليون نسمة، يفتحون أفواههم ثلاثة مرات في اليوم لتلقي الغذاء.
كيف سينظر للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تحولت «هواوي» إلى رمز وعنوان لها ... هل سينظر لها في سياق «يقظة آسيا» وصعود حركات التحرر والصراع بين المعسكر الاشتراكي والإمبريالي، أم أنه سيرى فيها «حرباً تجارية» بين امبرياليتين، واحدة همجية تذكرة بغزو البرابرة والمغول لحدود بلاده، وثانية، ناعمة، تجارية عنوانها طريق الحرير في طبعتيه القديمة والجديدة؟
هل سيعيد موقفه من «كونفوشيوس» و»بوذا»، وبالذات الأول الذي تتبع له أغلبية السكان، بعد أن طاردته الصين في الثورة الثقافية كما لو كان جرذاً ... كونفوشيوس اليوم، له حضوره المقدر في الثقافة الصينية، وكذا بوذا الذي تتبعه أقلية بحسابات الصين، أي قرابة المائتي مليون مواطن ... الصين اليوم، تخطت الثورة الثقافية وهي تبدو متعايشة مع الثقافات والحضارات والايديولوجيات، والماركسية مكون من مكونات أخرى عددية، ولم تعد نظرية التطور الوحيدة، المتطورة أبداً كما كان يقال في وصفها.
لا يؤتى على ذكر الصين اليوم، إلا متبوعة بسؤال عن جدل العلاقة بين نهضتها الاقتصادية وبنيتها السياسية (نظامها السياسي)، بين بنيتها التحتية، الرأسمالية بامتياز، وبنيتها الفوقية الاشتراكية في الشكل والمضمون، بقيادة حزب شيوعي هو واحد من بين حفنة متبقية من الأحزاب الشيوعية الحاكمة في العالم ... هل «النموذج الصيني» نهائي، أم أنه مرشح للمرور في مرحلة انتقال، وكيف سيكون شكلها ومن سيقودها وكيف ستنتهي؟ ... أسئلة لا يرغب الصينيون في بحثها، ويفضلون ترك الأمور لتأخذ مجراها، ربما عملاً بنظرية ماركس: الفكر لاحق للممارسة العملية ومترتب عليها، بيد أنه سيخضع لها في نهاية المطاف، تصويباً وتحديثاً وتطويراً.
أما قضية تايوان، فقد حسمتها الصين مرة واحدة، وأظنها للأبد: صين واحدة بنظامين ... وقبل شهر كنت في موسكو أصغي لخطاب مهم لوزير الدفاع الصيني في مؤتمر موسكو الأمني الثامن، حيث قال بمنتهى الوضوح والحزم: أن خرق هذه القاعدة أو محاولة الانقضاض عليها، هو من بين العوامل القليلة جداً التي يمكن أن تدخل الجيش الصيني العملاق في حرب أكيدة، وأحسب أن الذين يجربون اللعب مع التنين الصيني في تايوان أو حولها، إنما يدركون مسبقاً «نهاية اللعبة» ولكنهم مع ذلك، لا يكفون عن مناكفة التنين أو استفزازه.