بقلم - أسامة الرنتيسي
الأول نيوز – أكثر من ساعة ونصف الساعة وأنا أستمع إلى مستثمر أردني جديد (عظمه طري) أقام مصنعا بعد غربة طويلة في الخليج، عن شكاوى وملحوظات ومضايقات يتعرض لها في مصنعه بشكل دائم من قبل بعض موظفي الجهات الرقابية الذين بعضهم يتحصلون على (مغلفات شهرية) كي لا يسجلوا شكاوى ضده، وهي بالمناسبة قليلة جدا حتى تكاد تكون معدومة لأنه يحافظ على عمله ومنتجه بشكل مهني وأخلاقي، لكنه من الذين يحبون أن يمشوا الحيط الحيط ولا يراجعون المؤسسات والمحاكم.
محزن أن تبقى أوجه الفساد منتشرة في بعض مؤسساتنا الرقابية، التي لا تؤثر فقط على سمعة البلاد، بل تكاد تعرقل الاستثمار وتطوره.
ليس معقولا أن لا يفلت مشروع أو قرار في البلاد في السنوات الأخيرة من شبهة فساد، واعتداء على المال العام، حتى أصبح كل قرار أو توجه او صفقة متهما حتى تثبت براءته.
ليس هناك ما يُغضب الأردنيين جماعات وأفرادا، أكثر من ظواهر الفساد المرتبطة بعناوين معروفة جيدا لشركات استثمارية، ومصالح احتكارية واقتصادية واسعة وشخصيات رفيعة المستوى.
في فترة نشاط الحراك، وتحت الضغط الشعبي المتواصل لمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن هدر المال العام، ومن أجل استعادة الأموال المنهوبة للخزينة العامة للدولة، بدأت مرحلة جديدة من التعامل الرسمي مع الملفات الساخنة والأكثر تداولا. ومع هذا الفتح الجديد انقشعت غيوم كثيفة وانفجرت مطالب شعبية لفتح الأبواب على مصاريعها، فهناك عشرات القضايا التي يتوجب تناولها ومعالجتها في إطار إعادة الحقوق لأصحابها ومحاسبة المتسبّبين بحدوثها.
سيتعزز يقين الأغلبية الساحقة بأن معركة مواجهة الفساد قد انطلقت فعلا، عندما تأخذ هذه السياسة مجراها، وتُعتمد استراتيجية ثابتة في برامج عمل الحكومات، وأن لا تقتصر على إثارة زوابع، او تقديم ضحايا من الوزن الثقيل أمام الرأي العام، لأننا تعبنا من الحديث عن الفساد، ولا نرى فاسدين خلف القضبان.
يجب أن نتذكر أن النجاح لن يكتب لمكافحة الفساد إلا إذا كانت مع دعم سياسي جدّي، ولا بد من أن تكون جهود مكافحة الفساد، بعيدة عن التشهير والتسقيط والتسييس.
منذ أن أطفأ مجلس نواب سابق بريق ملفات الفساد، وطوى معظمها في سجل التأريخ الذي لا يرحم، وأعلن وفاة لجان التحقيق النيابية في حفلات التأبين التي عقدها، لم نعد نسمع لا من قريب أو بعيد، أية معلومة عن ملف فساد، فتبخرت لجان التحقيق، وتبخرت معها قضايا الفساد، لكن بالضرورة لم تتبخر منظومة الفساد، وما زال فاسدون لم تصل قضاياهم إلى المحاكم.
تبخُّر قضايا الفساد وصل أيضا إلى الإعلام، فلم نعد نسمع عن/ أو نقرأ قضايا جديدة.