بقلم - أسامة غريب
القارئ الذى يطالع الصحف الأجنبية الكبرى لا شك يعرف أن كتّاب المقالات والأعمدة بها لا بد وأن تكون لهم مواصفات شديدة الصرامة حتى يُسمح لهم بمخاطبة القارئ يومياً أو أسبوعياً. الصحف المصرية أيضاً عرفت فى السابق هذه التقاليد التى قصرت الكتابة بالصحف فى ثلاثة أنواع من الكتَّاب. النوع الأول هم الأدباء الذين يكتبون بالصحافة أمثال طه حسين وعبدالقادر المازنى وكامل الشناوى ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وأنيس منصور وفتحى غانم ويوسف جوهر ومحمد المخزنجى، والنوع الثانى هم الكتاب الصحفيون، وهم بالأساس صحفيون لكن لديهم أفكارا تتجاوز حرفة الصحافة ويملكون أدوات توصيل هذه الأفكار بسلاسة ويسر.
من هؤلاء الأساتذة: محمد التابعى ومصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين ومحمد زكى عبدالقادر وجلال الحمامصى وفهمى هويدى ومحمود عوض وكامل زهيرى ومحمد عودة وصلاح حافظ وصلاح عيسى.. كما أن هناك نوعاً ثالثاً يتضمن المفكرين والمحللين السياسيين الذين يلجأون للصحف أو تلجأ الصحف إليهم لعرض أفكارهم من أمثال زكى نجيب محمود وجلال أمين وفؤاد زكريا وحسن حنفى وطارق البشرى وحسن نافعة وعبد المنعم سعيد وغيرهم. ومن الملاحظ أن بعضهم قد حقق أمجاداً من كتاباته الصحفية مثل أنيس منصور الذى تقوم كتبه بالأساس على تجميع مقالاته التى نالت اهتماماً لدى نشرها، وبعضهم الآخر لم يترك فى دنيا الأعمدة الصحفية أى بصمة، ومن أهم هؤلاء نجيب محفوظ أديب العربية الأشهر!.. لقد ظل محفوظ يكتب عموداً ثابتاً بجريدة الأهرام لسنوات طويلة، ومع ذلك لم يترك ما يحرص أحد على جمعه فى كتب، لأنها كانت مقالات باردة خالية من الروح، وأستطيع أن أتكهن بسبب ضعف مقالات نجيب محفوظ مقارنة بأدبه الرفيع، فى أنه كان يضن بأفكاره العميقة على الصحافة ويفضل أن يضمنها رواياته، ولعله قد أدرك أن الكتابة الصحفية تستنزف الأديب عندما يحجم عن تكرار أفكاره فى أعماله الأدبية، لإحساسه بأنها أصبحت قديمة ومحروقة!.
وإذا أتينا إلى صحافة اليوم وأمعنّا النظر فى الأنواع الثلاثة السالفة لنرى أيها يطغى فى عالم المقالات والأعمدة فإننا سنفاجأ بخلو الصحف تقريباً من الأنواع الثلاثة! الأدباء الذين يكتبون بالصحافة لا أكاد أراهم، أما الكتاب الصحفيون فقد انقرضوا ولم يتم تعويضهم من الأجيال التالية، ولا تغرنكم المقالات الطويلة التى تحفل بها الصحف والمجلات لصحفيين استولوا على مساحات بوضع اليد، وقد كان لدينا أمثلة شهيرة لرؤساء تحرير كان كل منهم يكتب مقالاً على ثلاث صفحات، كالأساتذة إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة وسمير رجب، لكن بعد ترك مناصبهم الصحفية لم تستكتبهم جريدة واحدة!.. أما بالنسبة للنوع الثالث وهو المفكرون فللأسف تلاشوا تباعاً أو ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. إذا كان الأمر كذلك فمَن يكون هؤلاء الذين يكتبون فى كل صحيفة أكثر من خمسين مقالاً وعموداً كل يوم؟.. هؤلاء فى رأيى يشكلون نوعاً جديداً يمكن أن نطلق عليه اسم «الحبايب».. أما عن خصائص هذا النوع فإنها تستحق أن نفرد لها حديثاً آخر.