بقلم: أسامة غريب
يُنسب لبعض المفكرين قولهم: إن الديمقراطية في البلاد التي يتفشى فيها الجهل معناها أن نسلم أمرنا لغالبية من الحمير، وقد يكون هذا صحيحًا، لكن الصحيح أيضًا أن الديكتاتورية في البلاد البائسة لا تعنى أن يسلم الناس أمرهم لقلة من العباقرة، إذ من أين تأتى العبقرية في محيط جاهل؟. أعتقد أن محاربة الجهل تُسقط كل الحجج وتجعل الحياة أيسر من كل النواحى.. وحتى في أوقات الأوبئة والأزمات الكبيرة فإن الشعوب المتعلمة تتجاوز أزماتها بشكل أفضل.
عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 فإن الناس قاومتها بالدعاء والتهليل والتكبير كما أخبرنا عبدالرحمن الجبرتى، وبينما قنابل الفرنسيين تتهاطل على جيش المماليك المسلح بالسيوف والخناجر كان العامة يرددون «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف»!. عندما يكون الدعاء هو كل ما نملك فإن الهزيمة هي النتيجة المؤكدة، واليوم بعد مرور مائتى عام وأكثر على الحملة الفرنسية نجد نفرا من أهلنا يخرجون في الإسكندرية مهللين ومكبرين طالبين من الله أن يغيثهم من فيروس كورونا، مع أن ألف باء مقاومة الفيروس هي قبوع الناس في المنازل وليس التجمهر والاندماج!.. وأعتقد أن العقلية الجمعية للناس في بلادنا في القرن الواحد والعشرين هي نفس ما كانت عليه في نهاية القرن الثامن عشر. صحيح أن التعليم دخل البلاد ومعه وسائل الحياة الحديثة إلا أن الشعوذة ما زالت تعوق كل جهود التحرر والانفلات من إسار الفقر والجهل والمرض، وقد أتصور أن سطوة الشعوذة والخرافة على العقول راجعة إلى أن المشعوذين الذين ينشرون الدجل في المجتمع لا يتعرضون لأى عقاب، لا عقاب قانونى ولا عقاب شعبى، بالعكس يلقون التكريم وتفتح لهم الأبواب والمنابر ويحصلون على الأموال والعطايا، والأنكى أنه يتم تلقيبهم بالعلماء!. وما يزيد الطين بلة أننا عندما نسعى لنفك قيودنا بعيدًا عن التخاريف التي تكبلنا والتى تجعل الملايين يؤمنون بأن بول الإبل يشفى المرضى، عندما نهم بالخروج من الكهف فإننا نلقى أنفسنا وقد وقعنا في حِجر من يريد أن يحول الفيروس إلى صباع كفتة يتغذى عليه المريض، أي أننا نظل واقعين في نفس حفرة الجهل والخرافة. أما بالنسبة لأزمة فيروس كورونا فأتصور أن العالم سيتجاوزها ونحن من ضمنه، لكن ستظل مشكلتنا الأزلية بدون حل ما دامت الشعوذة لا تلقى استنكارًا ولا يتم معاقبة مرتكبيها، بل إننى أعتقد أنه بعد خروجنا من أزمة كورونا سوف يتعزز لدينا الاقتناع بأن الله يحبنا ويصطفينا ويسخّر لنا الخواجة الأجنبى الذي توصّل إلى المصل الشافى.. لن نشعر بأهمية العلم لكن سنشعر بأن الشعوذة هي التي أنقذتنا وجعلتنا نحصل على الدواء دون جهد لأننا خير أمة أخرجت للناس. بدون معاقبة المشعوذين..لا أمل!.