بقلم: أسامة غريب
لا شك أن محبى مشاهدة الأفلام الأجنبية القديمة تصيبهم صدمات من اكتشاف أن معظم الأفلام المصرية التى أحبوها من زمان هى ذات أصول أجنبية. المشكلة بالنسبة لهؤلاء- وأنا منهم- أنهم شاهدوا الأفلام العربية أولاً قبل أن يتيح لهم الزمن الاطلاع على الإنتاج الأجنبى الأصلى. هناك أعمال معروف تماماً أنها مقتبسة، حيث حرص صناعها على التأكيد من خلال التترات والدعاية على هذه الحقيقة، مثل أغلب أعمال يوسف وهبى السينمائية والمسرحية، لكن هناك آخرين أخفوا اقتباسهم للأعمال أو أشاروا للأمر بطريقة غير واضحة وغير لائقة. على سبيل المثال هناك فيلم «موعد فى البرج» إنتاج 1962 الذى قامت ببطولته سعاد حسنى مع صلاح ذو الفقار، من إخراج عز الدين ذو الفقار.. تذكر تترات الفيلم الذى كتب له السيناريو والحوار محمد أبو يوسف أنه مأخوذ عن قصة للكاتب ليو ماكيرى!
وهذا شديد الغرابة، إذ لا يوجد كاتب بهذا الاسم، كما أن الفيلم الأصلى «علاقة للذكرى» بطولة كارى جرانت وديبورا كير ليس مأخوذاً عن رواية، وإنما كتبه للسينما خصيصاً وأخرجه المخرج ليو ماكيرى، وهو إعادة إنتاج لفيلم «علاقة حب» للمخرج ذاته عام 1939، لكن صناع النسخة العربى تظاهروا بأنهم قرأوا الرواية واستلهموا أحداثها، بينما هم شاهدوا الفيلم ثم نحتوه!. هناك أيضاً فيلم من أجل امرأة 1959 لعمر الشريف وليلى فوزى، إخراج كمال الشيخ، المأخوذ بالكلمة والنقطة والحرف من فيلم «تعويض مزدوج» 1944، من إخراج بيلى وايلدر، وبطولة باربارا ستانويك عن قصة لجيمس كين.. لكن النسخة العربى تجاهلت الأصل تماماً وكتبت على التتر: اقتباس وجيه نجيب، بدون ذكر اسم الفيلم الأصلى أو مؤلفه!. أما فيلم «أغلى من حياتى» لصلاح ذو الفقار وشادية، من إخراج محمود ذو الفقار 1965 فقد كان صُناعه أكثر كرماً فكتبوا: عن قصة الشارع الخلفى لفانى هيرست، رغم أنه فى الحقيقة عن فيلم «الشارع الخلفى» لسوزان هيوارد وجون جافين، وإخراج ديفيد ميلر 1961.. أما القصة فلا أظن أن أحداً قرأها!.
أما المفاجأة الكبيرة فكانت فيلم «فى بيتنا رجل» 1963 عن قصة لإحسان عبد القدوس، من إخراج بركات، وبطولة عمر الشريف وزبيدة ثروت، لأنه رغم كونه مأخوذا عن نص أدبى وكتب له السيناريو يوسف عيسى، إلا أنه فى الحقيقة ملطوش من الفيلم الأجنبى: «القتلة أيضاً يموتون»، إنتاج 1943، تأليف برتولد بريخت، وإخراج النمساوى فرانز لانج، وتدور أحداثه فى مدينة براج أثناء الاحتلال النازى عقب مقتل قائد قوة الاحتلال الألمانى على يد شاب من الوطنيين، وهذا الشاب لم يجد إلا أسرة من الناس الطيبين ليختبئ فى بيتهم، وهو ما يتشابه تماماً مع فيلمنا المصرى.
طبعاً ليس هناك عيب فى الاقتباس من الأدب العالمى لصنع أفلام مصرية، لكن الملاحظ أن النقل بالمسطرة يكون دائماً من الفيلم الأجنبى، بينما القصة- إن وجدت- فلا أظن أن أحداً يقرأها.. ومع ذلك فإن ما يطمئننا إلى أن النحت قد توقف والاقتباس قد تراجع أنه لم يعد هناك أعمال سينمائية تقريباً!.