بقلم - أسامة غريب
«حزمة من الأكاذيب».. هو فيلم تليفزيونى إنجليزى بديع إنتاج 1987، تدور أحداثه فى أوائل الستينيات إبان الحرب الباردة.. أبطاله معدودون، «باربرا» ربة منزل تعيش فى إحدى ضواحى لندن مع زوجها. تسكن مقابلهما فى نفس الشارع الصغير أسرة أخرى مكونة من «هيلين» وزوجها. الأسرتان متقاربتان جدا، حتى إن المرأتين تتشاركان الطهو وتتبادلان الهدايا، كما تغزل إحداهما للأخرى ثوبًا.
تتغير الأمور على نحو درامى، عندما يطرق باب منزل باربرا ذات يوم أحد ضباط الخدمة السرية ويخبرها وزوجها أنهما يحتاجان لاستخدام منزلهما من أجل قضية أمن قومى.. المطلوب هو النظر عبر الشارع عن طريق تلسكوب على منزل أصدقائهما الواقع قبالة منزلهما لأنهما يشكّان أن أحد الأشخاص الذى يزور جيرانهم بصفة منتظمة على علاقة بالسوفييت!. تفزع باربرا، فيطمئنها الضابط بأن صديقتها وزوجها بعيدان عن الشبهات، لكن المقصود هو الرجل الذى يزورهما. ترفض المرأة بإصرار، فهى لا تتصور أبدًا أن تقابل صديقتها وتجلس معها متظاهرة بأن كل شىء طبيعى، بينما عميل سرى يقبع بالأعلى يرقب ما يحدث داخل منزل الصديقة. يبدى الضابط تفهمه للاعتبارات الإنسانية، لكنه يرفض أن يجعلها سببًا فى تعطيل تحقيق يتعلق بالأمن القومى. حبكة الفيلم لا تدور حول الجاسوسية، وإنما تدور حول مأساة باربرا، تلك السيدة النقية صاحبة الضمير الناصع والقلب الكبير التى قضت عمرها كله لا تجد صديقة تحبها وتثق بها، حتى عرفت هيلين فكانت أول صديقة حقيقية تحظى بها فى الدنيا. ونستطيع أن نرى فى الفيلم تأثير ما يحدث على وجه باربرا الذى غابت عنه الابتسامة، وصحتها التى أخذت فى الاعتلال. طالت فترة المراقبة وأعصاب باربرا تنهار، وكلما أتت الصديقة لزيارتها انخرطت فى بكاء عجزت عن تفسيره لصاحبتها، وهيلين تحسبها مريضة وتبذل جهدها لمساعدتها، لكن محاولات هيلين الحنونة والصادقة كانت تجعل باربرا تحتقر نفسها أكثر. وأخيرًا، حضر الضابط إلى المنزل ليخبرهما أن القضية انتهت، وأنهم سيقبضون بعد دقائق على الرجل الزائر وهيلين وزوجها بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتى. هنا تصرخ باربرا فى وجه رجل الأمن متهمة إياه بالتضليل عندما أخبرهما أنه يراقب الزائر الغامض فقط وأن هيلين وزوجها لا غبار عليهما. يشرح الضابط خوفه من إخبارهما بالحقيقة منذ البداية خشية إفساد القضية وهروب المتهمين.
فى المشهد التالى، يتم القبض على شبكة التجسس، ونرى هيلين وزوجهما خارجين من البيت بصحبة رجال الأمن، وقبل دخولهما السيارة ترمق هيلين صديقتها باربرا بنظرة تحمل كل معانى العتاب والحزن والألم معًا.
عندما حاول زوج باربرا أن يخفف عنها قائلًا إن هيلين وزوجها خدعاهما وقدما نفسيهما على غير الحقيقة، فإن باربرا تقول له: ولكنها كانت تحبنى. لقد نظرت للأمر من زاوية لا يفهمها الكثير من البشر، إذ اعتبرت نفسها مخادعة لأنها خانت صديقتها بنفس القدر الذى تعرضت به للخديعة. فشلت محاولات زوجها فى تهدئتها وإعادتها لاستئناف حياتها من جديد.. لكن بعد عدة أسابيع، أصابتها أزمة قلبية وماتت حزنًا وكمدًا، ذلك أنها لم تغفر لنفسها مطلقًا خيانتها لصديقة كانت تحبها!.