أنا جيل المساواة

أنا جيل المساواة

أنا جيل المساواة

 صوت الإمارات -

أنا جيل المساواة

سحر الجعارة
بقلم: سحر الجعارة

أتصور أن المرأة المصرية منذ فجر التاريخ لم تشهد القهر الذى شهدته الأجيال المعاصرة، الفلاحة كانت تغنى فى الطريق إلى الحقل فلا يؤثم أحد صوتها ولا يتحرش بها وحش آدمى.. القرية تعرف «الأصول»، والرجال يرون الصبايا حين يقطفن زهرة القطن مثل ماسة نادرة تختبئ فى صدورهن أو يرفعن جلابيبهن لتمتلئ بالقطن المغلف بالبهجة والأمان.. فلم يقل أحد إنها تتعمد «الإغراء» أو إنها تغوى رجلا.. كانت «ندًا» حقيقيا للرجل، الطرحة فى قاموسها «عادة» والجلباب الأسود «حشمة».. والرجال «صحبة ثقة».

هذه المرأة قد تكون اختفت خلف بنايات أسمنتيه ضخمة، من عائدات هجرة الشباب إلى أوروبا، أو استبدلت سوارها الذهبى بأغلال الحديد حين عرفت طريقها إلى العمل: (مدرسة أو ممرضة أو طبيبة... إلخ).. لقد خرجت من «ستر القرية» إلى «الأقاليم المتوحشة».. أصبح عملها عارًا وصوتها عورة وعملها ينتقص من فرص الرجال فى العمل، أصبحت محاصرة بالعيون الجائعة والألسنة الحادة.. فما بالك لو ابتلعتها شوارع «العاصمة» وطمست خصوصية ملامحها وأخفت سمرة بشرتها، وانتهك الزحام حرمة جسدها بالتحرش، والتهم طابور البطالة أحلامها.. تبدلت حتى لغتها فأصبحت تطالب بـ«المساواة بين الجنسين»!.

تغير خطابها تماما، عرفت معنى «النضال النسوى» وقرأت عن حقوق المرأة، خرجت فى المظاهرات واعتصمت فى الميادين لتسقط الفاشية السياسية مرة ثم لتسقط الفاشية الدينية مرة أخرى.. إنها ولدت من رحم المعاناة، صاغتها معانى: الفقر والبطالة والختان وفيروسات الكبد والتمييز «على أساس النوع».. تنازلت عن مراهقتها لتعرف معنى «الكوتة» وتمكين المرأة من مراكز صنع القرار لتنضم إلى «عظيمات مصر».

فى 8 مارس يحتفل العالم باليوم العالمى للمرأة لعام 2020، وموضوع الاحتفال هو (أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة). ويتماشى هذا الموضوع مع الحملة متعددة الأجيال لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، المسماة «جيل المساواة».. وتقول منظمة الأمم المتحدة إن العالم أحرز تقدما غير مسبوق، إلا أن تحقيق المساواة بين الجنسين هو الهدف الذى لم تحققه أى دولة!.. فقد منعت القيود القانونية ما يزيد على مليارين ونصف المليار امرأة من اختيار الوظائف مثل الرجال، فضلا عن عدد البرلمانيات فى العالم قبل 2019 لم يكن يزيد على 25%. ولم تزل واحدة من كل ثلاث نساء تعانى من العنف القائم على النوع الاجتماعى.

صحيح أن المرأة المصرية نالت العديد من المكاسب، فى ظل نظام 30 يونيو، وأنها تحظى بعناية فائقة من الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، ولكن النساء مازلن يعانين من أشكال متعددة من العنف فى المنزل وفى الأماكن العامة.. وبكل أسف فعندما تتحدث الأمم المتحدة عن الخصوصية الثقافية لكل مجتمع والقوانين المغايرة سنجد أن العنف ضد المرأة لدينا «مشرعن» فلدينا أصوات تفتى بأن ضرب الزوجة «واجب شرعى»، وأخرى تعتبر أن «ختان الإناث» سُنة أما تحرش الرجال بها فحق مكتسب لأنها خرجت «سافرة» فأسقطت رخصتها الشرعية!.

لانزال ننتظر أن تحقق الحكومة تكليف القيادة السياسية بوضع التشريعات التى تهدف لحماية المرأة فعلياً من كل أشكال العنف المعنوى والجسدى، آخذين فى الاعتبار أن الزواج المبكر قبل السن القانونية، والحرمان من التعليم جميعها أشكال متعددة للعنف.

لانزال ننتظر قانونًا للأحوال الشخصية يتصدى للفتاوى السلفية التى وصل بها الجنون لدرجة «زواج الطفلة فى بطن أمها»!.. قانونًا يحقق المزيد من «العدالة والمساواة».

ربما نكون الجيل الأكثر حظًا، الذى رأى أكبر نسبة وزيرات ونائبات فى مجلس الشعب.. لكن التمكين السياسى لا يكتمل إلا بمنظومة تشريعية تبدد مخاوف النساء وتحميهن فى البيت والشارع والعمل.. ولا بدون وعى إيجابى يعالج الأمراض الاجتماعية التى أصابت مجتمعًا كان بكرًا.

«أنا جيل المساواة»: جيل يكرس مساواة الناس من كل جندر وسن وعرق ودين وبلد، فلا تقل إنها «أنثى».. لأنها إنسانة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا جيل المساواة أنا جيل المساواة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates