متلازمة الكوخ

متلازمة الكوخ

متلازمة الكوخ

 صوت الإمارات -

متلازمة الكوخ

سحر الجعارة
بقلم: سحر الجعارة

جلا جـلا، يا محتـرم جلا جلا.. كل الأمـور متسـهلة/ تطلب حواجب نمل، ولا قلوب دبب، تحضــر، بسرعـة مـذهلة/ ماعليكش إلا بس تفضـل تشتهـى، تطـلب وتطـلب فى حاجات لا تنتهى، كـله يجاب، ماهى جنة طبعا يا مهاب.. لكن مافيش غير بس شىء واحد وحيد لو تطلبـه، لا يستجـاب.. إنك تعوز تخـرج من السور الحديد).. هكذا وصفها العبقرى «صلاح جاهين»، إنها «الحرية» بلا أسوار.. غير مشروطة، أو هكذا عقد مقارنة بارعة بين جنة «عصفور» أسير القفص حتى لو كان ذهبيا، وبين طائر حر طليق ليس للزينة.. طائر يمنح نفسه للحياة بكل ما فيها من صدمات، من حرمان وعدم أمان، قد يتساقط ريشه جوعا أو ألما أو يبيت ليلته فى العراء.. لكنه ليس وحيدا ولا غريبا، زقزقة العصافير تؤنسه وحفيف الشجر يعده بعش جديد، هذا العالم بصخبه هو لحنه الخاص.. عالمه سماء بلا قضبان وهو لا يطلب إلا «الحق فى الطيران».. يطارد خوفه بنغمة واثقة أنه ليس عبدا لقيد صنعه بنفسه!.

هذه الفكرة على بساطتها تنقلك مباشرة من السور الحديد إلى «متلازمة الكوخ».. فحين وجد الإنسان، وهو كائن اجتماعى، نفسه أمام جائحة «كورونا»، تحاصره من كل الزوايا، وجد شبح «الموت» يستوطن بين أضلعه، ومشاعر الخوف الهستيرى على من يحبه تبدد طاقته.

فجأة توقفت الحياة، تلخص وجوده فى عبارة «التباعد الاجتماعى».. أصبح وحيدا فى قلب الزحام، يعانى «إرهاب المرض» بينما هو يعلن الشجاعة والتفاؤل.. تبدلت لغته وتبدد إيقاع أيامه، حتى دورته الدموية أصبحت رهينة «أرقام الإصابات والوفيات»!.

تغير «الروتين اليومى» فإذا بالإنسان ينتقل من شاشة التليفزيون إلى «السوشيال ميديا».. وبعضهم انتقل تماما ليعيش فى العالم الافتراضى!.. وأخذت الأكواخ تتراص ونحن ندخلها بكامل وعينا وإرادتنا، خصوصا فى الدول التى فرضت حظر التجول الكلى على سكانها.

ثم قالوا لنا: اذهبوا فأنتم الطلقاء، الحياة تعود تدريجيا لطبيعتها.. البعض أصابه (الشلل)، لم يعد قادرا على الحركة، على اتخاذ القرار، وظهر مصطلح (متلازمة الكوخ) ليفسر الحالة التى توصف علميا بأنها (اضطراب نفسى ينتج عن العزلة الاجتماعية، ويواجه المصابون به صعوبة فى الخروج من المنزل بعد انقضاء السبب وراء المكوث فيه لفترة طويلة).

من أبرز أعراض هذه المتلازمة أنها تجعل الشخص ميالاً للعزلة، ويصاحب ذلك خمول واكتئاب وحزن فى بعض الأحيان، إضافة إلى سرعة الانفعال والقلق، وربما يتطور الأمر إلى الشعور باليأس.

وبحسب تقارير إعلامية حديثة، فقد ثبت أن أكثر من مليون إيطالى من متلازمة الكوخ بعد تقليص إجراءات العزل المنزلى، بحسب الجمعية الإيطالية للطب النفسى كما أنها انتشرت فى إسبانيا وفى الصين، وفى إحدى الدول العربية أيضا.

ويرى الأطباء النفسيون أن العلاج الأفضل لـ(متلازمة الكوخ) يتمثل فى ضرورة التفاعل مع الحياة من جديد.. لكن الحقيقة أن ما حدث للإنسان هو جمود فى الطموح وتصلب فى الأحلام، فعادة يحتاج الفرد إلى (حافز) يربطه بالمجتمع المحيط به ويدفعه للأمام.. وحين يحدث انسداد فى أفق الغد ويغرق الإنسان فى تساؤلات بلا أجوبة يتحول إلى كائن أقرب ما يكون إلى الجماد.. إنه يخاف من كل شىء!.

يخاف أن يحب خشية الإحساس بالفقد، أن يتفاعل فيصبح رقما فى أعداد المصابين بالفيروس، يخاف أن يهمل قائمة الطعام المفروضة عليه لأنها (صحية) فيعف عن الأكل ثم عن الكلام حتى يبتلعه الصمت فى فراغ هائل.

المشاعر والأحاسيس وحتى الغرائز ليست (واجبات) مفروضة علينا، بل على العكس جميعها تجسد إرادتنا، وتحدد المسافة بيننا وبين الأشخاص والأشياء.

صحيح أن البعض تعامل مع عودة الحياة بشكل همجى، وتمرد على كل قوانين التباعد الاجتماعى، لكن هذا فى حد ذاته يؤكد أننا نقبل على الحياة أو نجافيها بقرار شخصى.. وأننا قد نحطم كل الأسوار والأغلال مقابل لحظة نتحرر فيها من (وسواس الموت)، وأن نمزق كل ما أملوه علينا من تحذيرات وتنبيهات مقابل (لحظة بلا خوف).. لأنها تساوى عمرا (خارج الكوخ).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متلازمة الكوخ متلازمة الكوخ



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates