هكذا كنت أتخيلها، تقف أمام شاشة التليفزيون مبهورة، إنها ترى نساءً لا يشبهن أمها ولا أهل قريتها المجهولة على خريطة «أسيوط».. تجرى الفتاة كفراشة تبحث عن زهرة تعانقها، وتمنحها «الندى».. تفتش فى ثوب أمها عن رائحة عطر يبوح بأسرار الأنوثة، عن قميص حريرى شفاف، «إنها على وشك البلوغ»، عن أحمر شفاه تخفيه - ربما - عن أعين الصغيرة وغيرة الجارة، عن حذاء بكعب عالٍ يرسم خطواتها نحو «المراهقة».. لكن الأم كانت ترسم لها طريقا آخر!.
كانت الأم تهيئ حفلا يليق بذبح «أنوثة الصبية»، «حفل ختان» همجى وبربرى.. فى أكبر عملية «هتك عرض» تتجمع فيها نساء القرية للاحتفال بوأد الصبية التى برز نهدها على استحياء، فاعتادت أن تعقد ذراعيها على صدرها هربًا من عيونهن المتربصة لالتهامها بالنميمة.
اختفت «الداية» من المشهد، وأصبح «الطبيب» سيد الموقف، يشهر سلاحه فى الوجوه النهمة لمتابعة «ذبح الفتاة»، مشرط صدئ ارتوى من لحم قريناتها، يحمل معه احتمالات: الصدمة النفسية، نزيف الدم، العدوى نتيجة استخدام ملوث، الحمى وتسمم الدم، وكلها احتمالات قد تؤدى لوفاة الطفلة التى لا تعرف ما ذنبها!.
يبتر الطبيب «البظر» لتضع مكانه البرود والتبلد، فهل هكذا أرضى الطبيب غروره الذكورى وأسقط من رأسه كل ما درسه فى الطب؟.. هل ظاهرة «تطبيب الختان» حوّلت بعض الأطباء إلى وحوش.. أم أن هذا الطبيب الذى اغتال «ندى» من تلاميذ أحد دكاترة الأزهر، الذى قال: إن (ختان البظر الكبير يخفض من الشهوة الزائدة للمرأة ويحميها من الوقوع فى المعاصى).. ليحكم على نساء مصر بالسكتة الجنسية؟!.
أم أن الطبيب، الذى يعلم أنه يرتكب جريمة يُعاقب عليها القانون نصّب من نفسه «مسرور السياف» وأجرى للفتاة الختان «السودانى» المشهور بين أهالى محافظة أسوان، وفيه يتم بتر «الشفرتين» داخليًا وخارجيًا ليُعيد حزام العفة من العصور الوسطى، ويحكم إغلاقه.. بعد أن قطع شرايين الإشباع الجنسى «الأورجازم» عن المرأة، وأغلق عليها متاريس العيب، وقيدها بأغلال الخطيئة!.
لا أحد يعلم ما الذى حدث لـ «ندى» بالتحديد، نحن فى انتظار تقرير الطب الشرعى، لكننا جميعا نعلم أن القانون غير مطبق فى قرى وصعيد مصر.
اصمتوا قليلا لنحزن.. لنبكى ملايين النساء اللاتى تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية، بحسب تعريف الأمم المتحدة للختان، لا داعى لتدشين بيانات الإدانة ما دمنا عاجزين عن حماية بناتنا.. ولا داعى لخط نجدة الطفل بالمجلس القومى للطفولة والأمومة (16000).. إن كنتم جادين فى محاربة «الختان» أغلقوا المنابر السلفية فى المساجد والفضائيات التى تحلل الختان، ليعلم كل «أب» أنه لا يحمى شرفه بتختين ابنته، بل يسرق منها حياتها.. لكن الختان تحول إلى «ذبح على الطريقة الشرعية»!.
ما دامت الأنثى «عارًا وعورة»، وهذا الخطاب يتكرر فى الزوايا، والطفلة فى الأرياف والصعيد يُفرض عليها الحجاب، بل النقاب قبل كالبلوغ.. ستظل تحت مقصلة «الداية والطبيب».. ستظل التفاحة المحرمة التى يتحرش بها الجميع.. ستظل عرضة للسعار الجنسى.. ما دام المجتمع تحالف مع قوى الظلام ولم يكتف بحذف البظر من مفردات الأنوثة.. بل قرر التهام ما تبقى من لحم الصبايا مستورا كان أو مكشوفا!.
أنا لا يهمنى بيان الأمم المتحدة ولا اللجنة الوطنية للقضاء على الختان.. يهمنى ما سبق أن تباحثنا بشأنه مع الدكتورة «سوزان القلينى»، رئيس لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، حول «كود إعلامى» يحارب تنميط النساء فى الفن إما كـ«سلعة» تؤدى دور امرأة لعوب، أو عاهرة وتقدم نفسها كـ«رشوة جنسية»، أو وضعها فى سياق «متطرف» تروّج للنقاب وتعدُّد الزوجات وتخضع للضرب والإهانة، وهو ما وصفته «قلينى» - وقتها - بأنه «تشويه لصورة المرأة، وتكريس للعنف ضدها».
نحن نحتاج إلى «كود أخلاقى» يفرض على خطباء المساجد عدم الترويج للعنف ضد المرأة، وشرعنة التحرش بها أو اغتصابها وضربها، وتحرض الآباء على تشويه الجهاز التناسلى لبناته.. خصوصا بعد أن امتد نشاط خطباء المساجد إلى السوشيال ميديا وشن حرب شعواء على النساء.
أما الآن.. فاصطفوا فى صلاة الجنازة.. جنازة الإنسانية والطفولة والقانون وقسم أبقراط: «ندى ماتت».. فلنعترف أننا كلنا مدانون لا أستثنى أحدًا!.