بقلم: سحر الجعارة
كم مرة اختبرت قسوة الألم، أحسست أنك «أسير العجز» لا تقوى على النهوض من مكانك؟.. أنك «محتاج دائمًا» لمن يأخذ بيدك، محتاج للسند والدعم المعنوى؟.
كم مرة تلبستك روح اليأس، وتقمصت شخصية من يقف على أعتاب الموت في حالة «استسلام» دون أدنى مقاومة أو قدرة على التمرد؟. في حياة كل منا لحظة ضعف، قد تمتد أيامًا أو تلازمه طيلة العمر، فواقعنا ملىء بمحطات الوجع وزوايا القهر والحرمان، لكن من يملك تلك «الموهبة الإلهية» ليحطم قيوده ويدافع عن وجوده بإرادة واعية أن «النقص» قد يكون مدخلنا للكمال.. قبل أن يجرفنا طوفان الإحباط واليأس لنعيش على هامش الحياة.
إنها كانت أمامنا هناك في منتدى شباب العالم في نسخته الثالثة، الذي تقام فعالياته حاليا في شرم الشيخ، تحت رعاية الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، تقف شامخة.. فخورة.. معتدة بذاتها.. بتجربتها.. وكأنها جاءت إلينا من أسطورة إغريقية لتجسد كيف انتصرت شابة جميلة على كل آلهة الشر، وطارت إلينا بدون أجنحة ولا أذرع بشرية.. وكأنها «فكرة» تتجسد أمامنا أو معجزة جاءت إلينا من السماء لتغير قوانين العالم الرتيب المنتظم كقطع «البازل»، يختل بأكمله إذا ما نقص قطعة!.
إنها «جيسيكا كوكس»، واحدة من القصص الملهمة التي احتلت منصة حفل افتتاح المنتدى بجدارة، ولدت «جيسيكا» دون ذراعين نتيجة عيب خلقى نادر في فبراير 1983 في ولاية أريزونا الأمريكية، وتخرجت في جامعة أريزونا عام 2005، ومع ذلك دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية بكونها أول شخص يقود طائرة من دون ذراعين.. لكن المسافة من الميلاد إلى اليوم طويلة.. مسافة بدأت بحلم.
تقول «كوكس»: (كانت لدينا أحلام للتخلص من قيودنا التي تأتى بأشكال شتى ذهنية وبدنية، وكان حلمى حينما كنت صغيرة يتحقق في ساحة اللعب).. كانت تحلم بتسلق الزلاجة والانزلاق، وكانت تستخدم ذقنها كى تتسلق، وفى كل مرة كان من حولها يمنعونها خوفًا من أن تسقط، فكانت تشعر بالإحباط.. تخيلت «كوكس» نفسها على الأرجوحة في ساحة اللعب، وكان هذا مدخلها الحقيقى إلى عالم الطيران.
كان أول تحد في حياة «جيسيكا» أن تتعلم ربط الحذاء لنفسها حين كانت في المرحلة الابتدائية، ووقتها علمت أنه يجب أن تكون القدم داخل الحذاء، وبعد مئات المحاولات تمكنت من ربط الحذاء.. من يقرأ هذه الكلمات قد يتخيل أنها مهمة سهلة أن تربط الحذاء وتصنع «فيونكة» بأصابع قدميك.. ولأن التجربة الشاقة تحولت إلى مهمة عادية، طلبت «كوكس» من المنظمين أن يأتوا بكرسى على المنصة، وقامت بربط حذائها بقدميها، خلال كلمتها في المنتدى، ثم قالت: (يجب أن نفكر خارج الحذاء ونفكر بمرونة للتخلص من القيود التي تُبقى الإنسان في الخلف).. الحذاء كان يرمز لـ«القيود» البدنية والذهنية التي تغلبت عليها «كوكس».
«فكروا في حياتكم عندما تكونوا قد عرفتم المحددات والقيود».. هكذا أدركت «جيسيكا» أن الحياة تكتمل عندما ترسم ملامحها بنفسك.. تختار طريقك مهما كان صعبًا أو بدا للآخرين أنه مستحيل. فكرت «جيسكا» كيف تحلق بعيدًا عن عالمها المحدود، كيف تطير بدون أجنحة، فتوقفت عن استعمال الأطراف الاصطناعية وعمرها 14 عامًا وبدأت باستخدام أقدامها، حيثُ تعلمت القيادة وتدربت حتى حصلت على الحزام الأسود في التايكوندو وشهادة سكوبا دايفر لممارسة رياضة الغطس.. وخلال تعلمها الطيران كان عليها أن تربط نفسها بنقاط الأمان الأربع في الطائرة.. فنظرت إلى الحذاء وقررت أن تواجه التحديات التي يعتبرها الطيار العادى مجرد روتين.
كان المدرب منبهرًا بما تفعله «كوكس»، بعدما وقفت على الكرسى لتتمكن من ربط حزام الأمان بقدميها، فسألها: كيف فعلت ذلك؟.. أجابته: «كنت أفكر خارج حذائى»!.
إنها كلمات مختصرة تفك شفرة المرأة الخارقة.. إنها دعوة للتطهر من الطاقة السلبية ومن مؤثرات الآخرين التي تحبطنا وتقهر عزيمتنا: «اخرجوا وغيروا العالم».