ثمن التصالح

ثمن التصالح

ثمن التصالح

 صوت الإمارات -

ثمن التصالح

كريمة كمال
بقلم: كريمة كمال

كان الحديث عن التصالح فى مخالفات البناء هو الحديث الأكثر ترددًا فى الفترة الأخيرة، وكان قانون التصالح فى مخالفات البناء قد صدر فى إبريل 2019 من أجل التصالح فى الأعمال الإنشائية التى ارتكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء، وفى يوليو 2019 أصدر رئيس الوزراء قراراً بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون فى شأن التصالح فى بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها.. ونظراً لوجود مشكلات أثناء تطبيق قانون التصالح فى مخالفات البناء، تقدم عدد من نواب البرلمان بمشروع قانون بشأن تعديل بعض أحكام القانون فى شأن التصالح فى بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها ومد فترة التصالح.

المشكلة هنا تكمن أصلا فى فكرة التصالح.. فهل المقصود بالتصالح هو الحفاظ على كود المبانى ووقف المخالفات تماماً، أم أن المقصود بالتصالح هو الإبقاء على المخالفة بمقابل مادى، ما يعنى أن الغرض من وراء التصالح هو تحصيل الأموال، أى الحصول على مقابل للمخالفة، أى أن الغرض ليس منع المخالفات، بل تحصيل الأموال، بدليل ادفع واتصالح وتبقى المخالفة قائمة والأموال المطلوبة للتصالح باهظة، وحتى المقدمات باهظة، وتصل إلى مائتى وخمسين ألف جنيه.. والمشكلة المثارة هنا هى من يتحمل دفع ثمن المخالفة، فمن يتحمل دفع ثمن المخالفة ليس من ارتكبها سواء المقاول أو المالك الأصلى أو مسؤولى المحليات الذين تسببوا فى الأساس بحدوث المخالفة، لكن يتحملها المنتفعون الحاليون للشقق، بالرغم من أنه لا ذنب لهم فى المخالفة. الأكثر من هذا أن هذا القانون يطبق بأثر رجعى لسنوات بعيدة سابقة، فى انتهاكٍ سافرٍ لمبدأ عدم رجعية القانون، ثم إن المخالفات كلها تحال للنيابة العسكرية فى مخالفة أخرى للقانون، لأن المواطنين يجب أن يحاكموا أمام قاضيهم الطبيعى.. المشكلة أن المطلوب منهم دفع كل هذه الأموال للتصالح، ولا يملكون أصلا كل هذه الأموال، وهكذا فهم مهددون بأن يتشردوا أو يحاكموا إذا لم يدفعوا.

فكرة التصالح بالأساس فكرة خاطئة، لأنها لا تقضى على المخالفات، بل والأهم لا توقف حدوثها أو تكرارها، بل تسمح بهذا الحدوث والتكرار. والسؤال هنا: هل البديل هو الإزالة للمبانى المخالفة؟.. وهنا يجب أن نعود لحكم المحكمة الإدارية العليا، وهى آخر وأعلى درجة تقاضٍ بالنسبة للقضاء العادى، والتى قضت بأنه لا يجوز لجهة الإدارة إزالة المبانى المخالفة التى تراخت فى إزالتها فى الماضى، والذى أزيل عقاره له أحقية فى التعويض ضد الدولة.. أى أن الإدارية العليا تحمّل جهة الإدارة مسؤوليتها عن الصمت على حدوث المخالفة، أى أنها شريك فى حدوث الخطأ ووقوع المخالفة طالما لم تتصدَّ لها منذ بدايتها.

ادفع واتصالح وتبقى المخالفة، هذا هو ما شوه وأفسد أماكن كثيرة فى مصر، فهذا هو ما حدث فى الإسكندرية على الكورنيش بالذات، فقد ارتفعت المبانى المخالفة عشرات بل مئات المرات، ولم يعترض أحد ولم يتصدَّ أحد لإيقاف ذلك أو منع تكراره، فأصبح هو النمط السائد والمتكرر على كورنيش الإسكندرية، حتى أفسد تماما، وكان السبب هو «خالف وادفع واتصالح»، وهو نفس ما حدث فى أماكن أخرى كثيرة، منها مدينة نصر التى كان التخطيط لها يقضى بأن تكون الارتفاعات محددة بعدد محدود من الطوابق، لكن بدلا من ذلك ارتفعت المبانى لأضعاف أضعاف ما كان محددا، فى مخالفةٍ صريحة وصارخة لأى تخطيط وُضع للمنطقة، وانتهى الأمر بـ«خالف وادفع واتصالح».. إن فكرة العمل بقانون التصالح تشجع أساسا على المخالفة طالما أن هناك حلا للمخالفة وثمنا يُدفع ويُنهى المسألة.. هذا معناه أنه لن يُحترم أى تخطيط لأى مكان، وسوف يتم تجاهله فى مقابل مادى يُدفع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن التصالح ثمن التصالح



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates