بقلم - حسن البطل
يقولون، في التصنيف العسكري لقوة الجيوش، إن الجيش المصري يتبوّأ المرتبة السابعة لجيوش العالم، وإن الجيش التركي هو ثاني أقوى جيوش الـ «ناتو» بعد الجيش الأميركي.
تذكروا أن جيش صدام العراقي كان يعتبر رابع جيش بعد حرب السنوات الثماني مع إيران، والجيش الوحيد الذي أطلق 39 صاروخاً على إسرائيل.. التحالف العربي الخليجي الذي دعم بالمال «قادسية صدام»، والدولي الذي دعم جيش صدام بالسلاح المتقدم، انقلب إلى فرض أقسى عقوبات على العراق، منذ أن احتلّ الكويت.
«الجيوش تمشي على بطونها» كما قال الإمبراطور نابليون. ما مكّن جيش الرايخ الثالث الهتلري من اكتساح أوروبا هو أن عضلات هذا الجيش كانت تقف على سيقان اقتصادية قوية.
هتلر كرّر غلطة نابليون بغزو روسيا، وجيش صدام أوقع العراق في أقسى عقوبات دولية بعد غزوه الكويت، وهذا سبب من أسباب انهيار سريع «للجيش الرابع» العراقي.
تقف مصر وتركيا على مشارف صدام سياسي وعسكري في ليبيا، لكن الجيش التركي الثاني في حلف «ناتو» يتمتع باقتصاد قوي، يُقال إنه في المرتبة العاشرة من اقتصاديات دول العالم، بينما عضلات «جيش أكتوبر» المصري تقف على أقدام إرث اقتصاد ضعيف.
حتى الآن، يدور الصراع التركي ـ المصري على ليبيا كأنه حرب بالوكالة. تركيا تدعم حكومة شرعية دولية متقادمة في طرابلس ـ العاصمة، ومصر تدعم البرلمان الليبي الشرعي في طبرق، ومدينة سرت هي «الخط الأحمر» المصري، بعدما مكّن الدعم التركي «حكومة الوفاق» من فكّ حصار «الجيش الوطني الليبي» بقيادة الجنرال حفتر الذي ضربه على طرابلس.
يقولون، أيضاً، إن السيناريو السوري يتكرّر في ليبيا، كما حال السيناريو الإيراني ـ السعودي في اليمن. تركيا حشدت في ليبيا آلاف المرتزقة من أنصارها في إدلب دعماً لميليشيا حليفها السرّاج، ومصر وروسيا حشدتا آلاف المرتزقة من ميليشيا أنصار النظام السوري شرق سرت، إلى مرتزقة «فاغنر» الروسية.
في صحراء ليبيا ومصر، كانت أوّل هزيمة لجيوش الرايخ الهتلري، في حرب الكرّ والفرّ بين الجنرال النازي اللامع رومل، والماريشال الإنكليزي مونتغمري. كانت هذه حرب جيوش كلاسيكية.
لا الجيش التركي القويّ حسم حربه مع حرب العصابات الكردية، ولا الجيش المصري القويّ حسم حربه شمال سيناء مع متطرّفي «داعش»، ولا الجيش السوفياتي تجنّب الهزيمة مع مقاتلي «طالبان» الإسلاميين وإن كانت حكومة كارمال حليفته، ولا الجيش الأميركي سيربح الحرب مع «طالبان»، وإن كانت الحكومة الشرعية في كابول حليفة له، كما كانت حكومة سايغون حليفة أميركا في حربها مع ثوار الـ «فيت كونغ»، المدعومة من الصين وروسيا، ولا الجيش المصري الناصري، قبل حزيران 1967، انتصر في حربه اليمنية.
المواجهة المصرية ـ التركية في ليبيا ليست الأولى، فقد سبقتها في العام 1957، أن أرسلت مصر قواتها لشمال سورية، التي كان يتهددها حلف «المعاهدة المركزية» أو الـ «سنتو» بين تركيا وإيران الشاه والعراق الملكي. من قبل كادت جيوش مصر محمد علي تهزم «الرجل المريض» أو «الباب العالي» العثماني، بقيادة نجله إبراهيم، لولا أن أوروبا أثارت ضده حروباً طوائفية في لبنان وسورية.
لم تعد تركيا الأتاتوركية «الرجل المريض»، بل صارت دول «عرب الخراب» هي المريض بين ثلاث دول هي إيران التي «تحتل» أربع عواصم عربية، وتركيا التي «تحتل» العاصمة الليبية وشمال إدلب السورية ونصف ليبيا، وإسرائيل التي تحتل الضفة الغربية.
لمصر مشكلة أمن قومي في ليبيا، ومشكلة مياه مصيرية مع أثيوبيا، ومشكلة حركات إسلامية متطرفة شمال سيناء.. تضاف إلى مشكلة اقتصاد ضعيف يمرّ بمرحلة انتقالية.
هل الصراع التركي ـ المصري هو على ليبيا، أم هو في الحقيقة صراع بين دولتين على زعامة «الإسلام السنّي»، يُضاف إلى النزاع والصراع بين «العروبة السنّية» وبين «الخطر الشيعي» الإيراني؟.
مصر تريد تجنب صراع جيوش في ليبيا مع تركيا، عن طريق كسب شرعية دولية للتدخل العسكري المصري؛ وعن طريق استمالة قبائل ليبيا، أو معظمها.
للشاعر المتنبي أن يقول: «على قلق كأنّ الرّيح تحتي» وأنا على قلق أن تبدّد مصر الرّيح تحت سدّ النهضة.
واضح أنّ أمن مصر من أمن ليبيا، أكثر ممّا هو أمن تركيا من أمن ليبيا.. وأمن ما تبقّى من الأمن العربي هو من أمن مصر، بعد خراب العراق وسورية.