حسن البطل
١- مسخوها!
«كان ما سوف يكون..»
«أسلمتني السنونو لعيون القتلة»
هذا في مجاز الحرية (السنونو) استعارة وتشبيه مثلا. لا أعرف من قال: القتلة اكثر من الرصاص. في اللغة المكتوبة والمنطوقة يجوز تقديم حرف على حرف او تأخيره.. لكن لفظة تسكين حرف متحرك أسلمت لاجئين فلسطينيين بلبنان الى .. رصاص القتلة.
هي فاكهة في مسمّى خضار، وهي البنَدورة في جزء من «مسلسل باب الحارة - 5»، يلفظها الفلسطينيون مع تسكين حرف النون، واللبنانيون مع تحريكه. كان هذا زمان «القتل على الهوية».. والقتل على تسكين حرف النون؟
مع المسلسل استذكرت جليسي في المقهى، ابو إلياس، كيف كانت البندورة، شكلاً ونكهة، وكيف مُسخت، وكيف كانت أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا يشقحن حبات البندورة، ثم يمعكنها، ثم يضعن عصيرها في سدر، والسدر تحت شواظ الشمس، ومن سدر اكبر الى سدر أصغر .. الى مرطبان هو مؤونة الطبيخ، يُشبع بزيت الزيتون، ويوضع في «النملية» لا البراد .. ومن ثم في الطبخة.
تعرفون أن التجفيف بالتشميس يضاعف فائدة المجففات أربع مرات. لن أحكي عن كيف كانت نكهة البندورة البلدية، وكيف صارت.. لكن هذا زمن «رب البندورة» والكاتشاب بلا تجفيف بالتشميس.
زمان .. زمان أيام الولدنة، وربّ البندورة من برطمان مُغرق بزيت الزيتون، كنت أدهن الرغيف وأضيف اليه بعض اوراق النعناع، وبعض حبات الزيتون .. «وصحتين وعافية».
٢ - ما هو هذا «الشنان»؟
بابور الكاز يحمل دلواً عميقاً، وفي الدلو ثياب تغلي، والثياب تُنقل الى «طشت» وتُدعك بالأيدي، ثم تُنقل الى طشت للشطف .. ثم تعصر وتنشر!
جمعوا المراحل في غسالة «فل - اتوماتيك» او «نصف -اتوماتيك» .. او غسالة - مجففة.. وهذا المسحوق، بدلاً من هذا الصابون.
زمان .. زمان كانوا في الشام يغسلون الغسيل بهذا «الشنان» .. ما هو الشنان؟ إنه نبات عطري ضارب للخضرة الداكنة .. لا يرغي ولا يُزبد، لكن ربما كان يفعل فعل الكلور والديتول وباقي ما يضاف الآن الى «مسحوق الغسيل».
كانت ثياب الغسيل وسخة جداً، وكان يعشعش فيها البق والقمل والبراغيث.. والجراثيم طبعاً، وكان هذا الشنان يلعب دور «كوني واثقة ١٠٠٪» أي عليك بالديتول!
٣ - «الكشك» صار «كورن فلكس»
كان لكل بيت سطح مستقل، وكان السطح لنشر الغسيل، وأسلاك التقاط الراديو القديم، وايضاً كان لصناعة التجفيف بالتشميس .. وكانوا يشمسون هذا «الكشك» من دقيق حبوب «قمح بلدي» معجون بحليب نعاج تسرح .. وكان شواظ الشمس «يطبخ» ويحقن بالفيتامينات.
أحياناً، يجلب صديقي من لبنان بعض «الكشك» ومع قليل من الماء، وبعض اللحم المفروم المدهن، والبصل، كنا نتذوق اشهى الشوربات.
هذه الطبخة ليست فطور فقراء اللاجئين من «فتة حليب» خبز من طحين الوكالة وحليب مجفف ومميّع بالماء. كان هذا اسمه «الكشك».
٤ - قمر الدين القديم!
لشجرة المشمش السورية أن تطرح ثمارها: بلدي، وزيري، حموي .. وكلابي، ومن الأخيرة كانوا يصنعون لفائف «القمردين» الحقيقي. ثمارها الأكثر حلاوة، والأسرع سقوطاً و«طرحاً» من الشجرة فور أن تستوي .. ولحلاوتها كانت الديدان تسكنها، وكنا نحرص على «فلق» الثمرة وإلقاء «المدودة» .. لكن كما يقال «دود الخل منه فيه» فإن ديدان المشمش الكلابي مقبولة في «القمردين» .. الذي يجفف على ألواح خشبية و«يشمّس» ويحقن بمضاعفة ما يحويه من مغذيات.
كنت أود الحكي عن الزبيب المجفف بالتشميس وعن خبز التنور، وعن أسباب تفضيل الشوام للزيتون الأسود مع خبز التنور، وتفضيل الفلسطينيين الزيتون الأخضر مع الزعتر .. لكنَ للمقال ذيلاً طويلاً.