علي العمودي
عديدة التعليقات والرسائل الإلكترونية التي تلقيتها تعقيباً على موضوع الانضباط المفقود في السوق الإعلانية جراء حالة الفلتان التي تضربها بسبب ممارسات تلك المطبوعات الموزعة مجاناً، وهي تفتقر لأهم معيار من معايير الثقة في المعلن الذي يقدم نفسه زاعماً حقاً ليس من حقه أو أمراً أبعد من نطاق اختصاصاته وقدراته، وبالأخص فيما يتعلق بإعلانات الشقق والبيوت المعروضة للإيجار، وحتى للبيع. فقد بلغ التحايل والتدليس حداً غير معقول أو مبرر، وتجاوز حتى القطاع العقاري المحلي، حيث تجد إعلانات طائرة عابرة للحدود تتحدث عن أراض وشقق للبيع والاستثمار من دون وجود أي مؤشر يطمئن المستفسر أو الراغب في الاستثمار حول جدية العرض وقانونيته، وما يحمي حقوقه.
أحد القراء لفت نظري لما يجري في سوق الإعلان من فوضى تضرب فيه، حتى في الإعلانات التي تدخل بيوتنا من دون استئذان من خلال المحطات الفضائية وإعلاناتها، وبالذات فيما يتعلق ببعض المنتجات الصحية والطبية، وما تحمل من إساءة حقيقية في المقام الأول لمهنة سامية كمهنة الطب، حيث نرى أشخاصاً يقدمون نصائح وإرشادات صحية ترويجية بصفتهم أطباء، لمجرد أنهم ارتدوا المعطف الأبيض، وهم ليسوا كذلك، وأبعد ما يكونون عن الطب والنطاسين، ما يجعلهم يفتقرون لأي قدر من المصداقية، ولكن يلتبس الأمر على العامة، وهم يتابعون الترويج لهذه الممارسة أو السلعة الدوائية أو المنتج الطبي.
ومن هنا تتجدد الدعوة للنظر بجدية وعمق في ما يجري بهذه السوق التي تدر عشرات الملايين من الدراهم، وتتنافس فيها وكالات وجهات إعلانية لا يتوقف غالبيتها أمام المعايير الواجب الالتزام بها لاستعادة الثقة المفقودة، وتحقيق الصدقية المنشودة للإعلان، كما نجدها في العديد من المناطق، لا سيما في أوروبا عندما يتعلق الموضوع بصحة الإنسان وغذائه ودوائه. ليس ذلك فحسب، بل حتى في الأجهزة والمعدات والسيارات، هناك تجد إعلانات تخاطب العقل والمنطق حول جودة المنتج وصلاحيته والفائدة التي يعود بها على مستخدمه أو من يقتنيه. هنا الرسالة الإعلانية تركز على مخاطبة الغرائز وإدمان الاستهلاك غير المُرّشد الذي يجتاح الكثير من فئات المجتمع، وحب تقليد أعمى يعصف بهم.
لا أحد ينكر تطور الإعلان الذي فرض نفسه بقوة على صناعة النشر في عالم اليوم، ولكن كل ما نطلب شيء من الصدقية والاحترام للمتلقي.