علي العمودي
صالح فارح مواطن كيني مسلم، يعمل مدرساً في إحدى مدارس جاريسا الواقعة شمالي كينيا، كان قبل أيام قليلة يستقل حافلة باتجاه مدينة ماليندي الساحلية، حيث تقيم أسرته الصغيرة، عندما وقعت الحافلة في كمين لإرهابيي «حركة الشباب» الصومالية الذين أمروا ركابها بالنزول، وقاموا بفرزهم بين مسلم وغير مسلم، وعندما لقموا أسلحتهم لتصفية غير المسلمين تقدم صالح بكل شجاعة، ليقول لهم إننا جميعا بشر وكينيون، فإما أن تطلقوا سراحنا جميعاً أو تقتلونا جميعاً، فعاجله أعداء الحياة بوابل من الطلقات ليلفظ أنفاسه مع ضحايا العمل الإرهابي الخسيس، ويتحول إلى بطل قومي في بلاده التي أطلق مواطنوها، مسيحيين ومسلمين وغيرهم من أتباع الطوائف الأخرى، أكبر حملة لجمع التبرعات لمصلحة أرملة الرجل وصغاره.
تلك الروح التي مات لأجلها صالح هي فطرة المسلم السوي، على هدى الإسلام وما أرساه خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، المتمم لمكارم الأخلاق صلى الله عليه وسلم، وما حملته صحيفة المدينة من قيم إسلامية إنسانية رفيعة في المقام الأول، تصون حقوق الأقليات من أتباع الأديان والملل الأخرى، وهي القيم ذاتها التي اجتمع لتأكيدها أكثر من 300 عالم ومفكر من مفكري الأمة ووزراء ومسؤولين من ما يزيد على 120 بلداً إسلامياً من خلال إعلان مراكش الذي صدر يوم أمس الأول في المدينة الحمراء بالديار المغربية الشقيقة.
وقد أكدوا جميعاً عدم جواز توظيف الدين- كما تفعل الجماعات الإرهابية والمتطرفة- في تبرير النيل من حقوق الأقليات، وهذه الجماعات تقوم بممارسات دنيئة من قتل وتشريد للمختلفين معهم عقيدة في مختلف المناطق، ولا سيما ما يجري في الأماكن الخاضعة لتلك المجموعات من القتلة والملتاثين، وفي مقدمتهم «داعش» و«القاعدة» و«طالبان» و«الشباب».
لقد جاءت المشاركة الإماراتية الرفيعة في مؤتمر مراكش حول «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية» تعبيراً عن الموقف المتقدم للدولة من الإرهاب، والتصدي لمختلف أشكاله ومظاهره، وبالذات على صعيد المعركة الفكرية من خلال التصدي للمغالطات التي تسوقها الجماعات الإرهابية لتبرير جرائمها وأفعالها الخسيسة باسم الإسلام. كما تعبر عن الدعم الكبير لهذه الملتقيات لتوحيد كلمة علماء المسلمين في مواجهة دعاة الفتن الذين يطلون علينا من منابر ومنصات مختلفة عبر فضائيات معروفة، يؤججون الخطاب المتطرف وينشرون الفتن، ودين الرحمة منهم براء.