بقلم : علي العمودي
ذات مرة كنت في جزيرة سيشل الوادعة ذات الجمال الأخاذ، المستلقية بكل دلال في المحيط الهندي، وصادفت انطلاق الانتخابات الرئاسية. وتوقفت أمام الاستقرار السياسي الذي تنعم به، والازدهار والانفتاح الاقتصادي فيها، ومعه تستقطب مئات الآلاف من السياح الذين يتدفقون عليها من شتى مناطق العالم على الرغم من أنها تعد من أغلى المقاصد السياحية
. تتأمل في أحوال الجزيرة فتجد أن المعادلة تكمن في روح التسامح التي تسودها، خاصة إذا ما عرفنا أن مواطنيها يتحدرون من ثلاث عرقيات، وينتمون إلى ثلاث ديانات هي المسيحية والهندوسية والإسلام، ويتحدثون بثلاث لغات هي الفرنسية والإنجليزية والكريولية، والجميع يعيش في وئام وسلام، ومستوى راقٍ من الحياة الكريمة على الرغم من عدم وجود ثروات طبيعية فيها.
على الضفة المقابلة من المحيط، وغير بعيد عن سيشل، تقع الصومال، شعب واحد من عرقية واحدة، ودين واحد، ومذهب واحد، ولغة واحدة، تعيش عدم استقرار سياسي منذ أكثر من 25 عاماً، جراء حرب أهلية، وانهيار تام، ومجاعات، على الرغم من وجود نهرين، ودلتا من أخصب المناطق، وشاطئ غني بالثروات السمكية، يمتد لأكثر من3500 كلم.
سفن الصيد الأجنبية تصيد وتعلب ما اصطادت وتصّدره، و«الحبايب»من الأخوة الأعداء يتقاتلون!!. والمعادلة هنا أيضاً تكمن في غياب وانتفاء التسامح.
حالتان ونموذجان يعبران عن أثر وسحر التسامح في المجتمعات كيف ترقى إلى مصاف التقدم وميادين الريادة مع التسامح والتفاهم وحسن التعايش، وكيف تهوي إلى قيعان التخلف والفوضى واليباب في غياب التسامح.
وعندما تعتمد الإمارات برنامجاً وطنياً للتسامح، فإنما تضع لبنة إضافية باتجاه المستقبل، تعزز صرح واحة الأمن والأمان والرخاء والتقدم والتطور والازدهار، وتجسد رؤية قيادة رشيدة ترسي أنموذجاً ملهماً في البناء الوطني، يستمد مقوماته من إرث الآباء والأجداد، وتعزز بنهج خطه القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه المؤسسين، ورسخته القيادة الرشيدة من بعده. ولذلك جاء تفرد الإمارات بجعل التسامح نهجاً وبرنامجاً، وتعيين أول وزيرة دولة للتسامح.
البرنامج الإماراتي للتسامح يقوم على خمسة محاور، يتضمن دور الحكومة والأسرة، وتعزيز التسامح لدى الشباب لوقايتهم من التطرف والتعصب، وإثراء المحتوى العلمي والثقافي، والمساهمة في الجهود الدولية لتعزيز التسامح، وإبراز الدور الرائد للإمارات في هذا المجال، فالتسامح مفتاح نشوء وازدهار الحضارات، وخير الإنسانية في كل الأزمان.