البهجة ليست «هناك»

البهجة ليست «هناك»

البهجة ليست «هناك»

 صوت الإمارات -

البهجة ليست «هناك»

عائشة سلطان

قالت لي جارتي على الطاولة المحاذية في مطعم الفندق الذي نسكن فيه معا «اذهبي إلى هناك، وأشارت بيدها إلى ساحة المهرجان المقابلة للفندق، صدقيني ستقضين وقتاً ممتعاً، ذهبت مع عائلتي وقضينا وقتاً جميلاً» ابتسمت لها، واتفقت مع من معي على الذهاب إلى «هناك» حيث الكثير من البهجة، في المساء كانت الموسيقى تصدح من جنبات مسرح «بادن بادن»، والحديقة تعج بالمئات، وتحلقت أعداد كبيرة حول طاولات طعام أعدت بسرعة، كان الألمان يتحدثون ويأكلون بالطريقة نفسها: بالشوكة والسكين، بالصرامة نفسها التي لا تفارقهم ولا يتنازلون عنها أبدا، صحت بأعلى صوتي: أين البهجة التي تحدثت عنها تلك المرأة؟

في أماكن مختلفة من المدينة كانت هناك مقاه أنيقة جدا، ورجال ونساء يبدو البذخ واضحا عليهم، وسيارات البورشه والمرسيدس تلمع من بعيد في كل مكان، الكل يتحدث همسا، يأكلون اللحم والبطاطا ويحتسون النبيذ، وبالكاد يبتسمون، وحين مررنا بضجيج أمام أحد تلك المقاهي رمقنا أحدهم باستهجان، فأعدت طرح السؤال نفسه: أين البهجة التي قالت تلك المرأة إننا سنجدها «هناك»؟ ثم قلت: كل يرى «البهجة» من زاويته!!

أعاد ذلك كله لذاكرتي مشهداً لم أنسه يوماً في فيلم (طعام، صلاة، حب) لجوليا روبرتس، والمأخوذ عن رواية بالاسم نفسة للكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبرت، كان الحلاق الإيطالي يحاول إقناع جوليا بأن الأميركان لا يعرفون كيف يعيشون الحياة ببهجة، إنهم يعملون ويجمعون كثيراً من المال ليقضوا نهاية الأسبوع يأكلون وجبة هامبورجر أمام التلفزيون بمنتهى الكسل، بينما يعيش الإيطاليون الحياة بأقل القليل، لكن كما يجب، يأكلون جيدا ويتحدثون بصوت عال ويستخدمون أيديهم للتعبير عن أمور كثيرة، إذا غضبوا وإذا غازلوا امرأة في الشارع وإذا استاؤوا من أحدهم وإذا .

لذلك تقول الكاتبة إنها حين قررت أن تعالج نفسها من أزمة ما بعد الطلاق، عادت لأمنياتها الصغيرة التي لطالما تمنتها وظلت تؤجلها، لكنها وهي تعبر أزمة الطلاق وتقع في حب «ديفيد» الذي فشل بدوره، لمعت إيطاليا في ذاكرتها، فقررت أن تبدأ في تعلم الإيطالية التي تشبه الحياة تماما، أو تشبه زقزقة العصافير كما وصفتها، مع علمها أن صديقاتها ومعارفها سيسخرون منها وسيسألونها ألف مرة لماذا تحتاج لتعلم الإيطالية الآن بالذات؟ لقد قررت أخيرا أن تتعلمها وأن تواجه نفسها وتواجه الجميع، فنحن نفعل بعض الأشياء دون حاجة لتبرير ذلك لأحد، نحن نفعلها لأننا نريد أن نفعلها وكفى!

«البهجة » مرة أخرى ، كيف نعيش البهجة ؟ أو كيف نحدد البهجة ؟ من بإمكانه أن يحسم هذا الخلاف القديم حول نوع ومقدار وطريقة التعبير المثلى عن السعادة أو البهجة؟ إن الألماني الذي لم يعتد الضحك ويعتبر شخصا غير ودود بشكل عام وصارم الملامح والسلوك ينظر للبهجة بطريقته، إجازة في مكان راق، طعام فاخر، نبيذ معتق، وسيارة فاخرة، بينما يعيش الفرنسي بهجته بتفاصيل مختلفة وربما نزقة، بينما لا يكف الإيطالي عن الضحك وتناول أصناف شتى من الطعام الإيطالي اللذيذ بصحبة عدد كبير من الأصدقاء وبنظام مشاركة الطعام، أما العربي والياباني والهندي والصيني و.


فلكل طريقته في التمتع بالبهجة والوصول للسعادة، ما يعني أن البهجة ليست «هناك» ولكنها أسلوب حياة وثقافة وتفكير وليست «كتالوج» جاهزاً !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البهجة ليست «هناك» البهجة ليست «هناك»



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates