عائشة سلطان
كما قال الفيلسوف الفرنسي (جيل ليبوفيتسكي) تماما: « نحن نعيش زمنا مفرغا من الأخلاقيات والقيم الكبرى»، انتهى زمن الإيمان الجمعي بأيديولوجيا تضمن إيمان الناس بمثل وقيم دينية عليا، على عكس ذلك صار يتم توجيه الفرد (الفائق الحداثة) نحو اللذة الدنيوية والمتعة، ومن هم هؤلاء الأفراد أو الفرد الفائق الحداثة؟ إنهم كما يقول عالم الاجتماع ليبوفيتسكي أولئك الساعون نحو متعهم بشكل متسارع ودون أي تفكير، دون أن يعني ذلك أننا نتحدث عن جماعات متوحشة أو متخلفة، على العكس من ذلك، ففي أزمنة الحداثة التي نحياها اليوم هناك انفجارات متتالية في العلم والتقنيات ووسائل الاتصال والتواصل، مع ذلك فأفراد الحداثة أشخاص يعانون بشكل مستمر وقلقون دائما تجاه حاضرهم وما ينتظرهم !
إنهم أفراد أكثر تعلماً وأكثر تدرباً وأكثر ثراء وامتلاكاً لكل وسائل الحياة المريحة، ولكنهم أكثر تحطماً أيضا، وأكثر ميلاً للعنف والشراسة، ونظرة سريعة على نوعيات الأفلام التي يفضلها شباب اليوم ونوع الموسيقى والسيارات والرياضات كفيلة بتأكيد ذلك، إنهم بالغون وناضجون ولكنهم غير مستقرين وقلقون. فضلا عن أنهم أقل تمسكا بالإيديولوجيا في الوقت الذي هم فيه أكثر اتباعا لتغيرات الموضة، فهم متابعون جيدا وبشكل حريص على آخر مستحدثات السلع أو الموضة، مستهلكون بشكل كبير وغير مبرر، إنهم أكثر انفتاحا ولكنهم أسهل تأثرا، وأكثر انقيادا وانتقادا لكنهم أيضا أكثر سطحية، أكثر شكّا وأكثر غموضا. ولم يعد هناك أي نظام إيماني يمكن اللجوء إليه للطمأنينة والسكون ! ربما لا تبدو هذه المنظومة الأخلاقية والنفسية واضحة عندنا أو متمددة بشكل تام، لكن لا يعتقد أحد أن هذه النماذج غير موجودة، قضية عدم تصديق البعض لوجود هذا النوع من الناس بيننا لا يعود لعدم وجودهم فيزيائيا أو واقعيا، ولكن لأن هناك عوالم تعيش معا بالتوازي في المجتمع وليس بالتقاطع، أي أنهم يعيشون في مجتمع واحد ولكن ليسوا مع بعضهم وربما لا يتقاطع عالم هؤلاء مع عوالم وحياة واهتمامات أولئك ولذلك ينكر البعض وجودهم لكنهم موجودون، وعلينا أن نعترف بذلك، أما ماذا علينا أن نفعل فتلك حكاية أخرى! أجد في المراكز التجارية شبابا صغارا يرتدون ثيابا غريبة وأكسسوارات وسلاسل عجيبة ويمشون بطريقة أغرب وبقصات شعر مضحكة والأنكى أن الشباب أصبحوا يتباهون بتلوين شعورهم والاعتراف بانحرافهم أيضا على اعتبار أن ذلك حق مشروع كما قال لهم أوباما !! علينا أن نعترف بالمشكلة أولاً لنتمكن من التعامل معها بعد ذلك !