بقلم - عائشة سلطان
أغمض عيني أحياناً، في محاولة لتخيل مدن المستقبل في ظل ما نعيشه اليوم من حيث علاقاتنا الاجتماعية، وسلوكياتنا العامة: العمل، التعلم، التسوق، الزيارات، الأنشطة العامة، ممارسة الرياضة... كيف سنمارس كل هذا وغير هذا في المستقبل؟ كيف ستبدو مدننا؟ وكيف سيتحرك ويعيش ويتفاعل إنسان المستقبل في هذه المدن؟
لا تبدو هذه الأسئلة غريبة أبداً، ولا تبدو ممنوعة أو مثيرة للخوف، أو كما قد يصفها البعض بأنها (أسئلة بلا ضرورة)، فهي ضرورية، إن لجهة استشراف شكل وطبيعة المستقبل الذي ينتظرنا، أو لجهة الاستعداد الذي يجعلنا لا نتفاجأ ولا نصاب بالارتباك حين نرى تجليات ما سيحدث، والذي لن يكون كما نتوقع بطبيعة الحال.
مهندسو وعلماء مدن المستقبل، سيعودون ليستعيروا من الدكتور مارشال ماكلوهان نظرية «الحتمية التكنولوجية للمجتمعات»، والتي أفرزت بالضرورة مقولة تحول العالم لقرية صغيرة، لن يحتاج الناس فيها للخروج من منازلهم، فلقد تدربوا بشكل عملي على فعل كل شيء خلف أبواب بيوتهم المغلقة، تدربوا على الذهاب للعمل وإنجاز الأشغال، وشراء بقالة البيت، وثياب الأولاد وكل أفراد الأسرة، وإنجاز المعاملات المصرفية، والتخابر مع الطبيب واستشارته، و..و.. كل ذلك وأكثر فعلوه دون الحاجة لمغادرة المنزل، بعد أن رفع العالم شعار الحياة عن بُعد.
مدن المستقبل التي تدربنا عليها «كورونا» ستكون مدناً خالية من البشر، ستغدو الحامية التكنولوجية أشد وطأة، وسيفتقد الإنسان تلك الرومانسيات التي أججتها فيه مدن التاريخ والفن واللقاءات الدافئة. قد يبدو الخيال جارحاً أو قاسياً، لكن من قال إن ما تخيله جورج أورويل في روايته «1984» كان حالماً أو حنوناً، لكنه حدث بحذافيره وكما تخيله في عام 1948.