بقلم - عائشة سلطان
نحن نعيش في عالم انمحت حدوده تماماً بفضل ثورة التقنية وانفجار المعرفة، وبفعل ما اخترعه الإنسان من تقنيات الاتصال والمواصلات، التي انتصرت على المسافات وفروقات التوقيت الشاسعة وآلاف الكيلومترات، فهل أصبحنا عالماً واحداً بالفعل؟ هل تحققت نبوءة أستاذ الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان حول العالم الذي سيصبح قرية صغيرة؟
لقد أطلق هذا العالم نبوءته الفذة هذه قبل عصر الإنترنت والهواتف الذكية، كان ذلك في سنوات الستينيات من القرن الماضي، وتحت عنوان بدا علمياً جداً في ذلك الوقت هو «الحتمية التكنولوجية للمجتمعات»، ما يعني أنه لم يتنبأ فقط بتقارب العالم، ولكنه قال إن هذا التقارب سيكون حتمياً بواسطة التكنولوجيا والمعلوماتية، وها نحن نعيش هذه الحتمية بحديها وبكافة اشتراطاتها الصعبة والضرورية معاً.
لن يعرف الإنسان الوحدة أو العزلة عن الآخرين بعد ذلك، ولن تكون هناك أية أزمة في الاتصال أو التواصل أو تدفق المعلومات، هذا ما أكده ماكلوهان في تلك السنوات، وها هو كل ما تنبأ به متوفر كالهواء ومتاح جداً، بل ومكفول بحكم القانون والدستور!
ولا يهم ما الذي يتدفق عليك عبر الموجات وعبر الإنترنت، فاسداً أو فاضلاً، فتلك مسؤوليتك، وأنت من يجب أن يحدد ما الذي تحتاجه، وما الذي لا تريد أن تتعاطى معه، هذا بالضبط ما تنبأ به الرجل أيضاً، حينما قال: ستحل التقنية المتطورة محل الطباعة وتقود لمجتمعات أكثر ديمقراطية!
إنها القرية الصغيرة التي قال ماكلوهان إن البشر سيتجولون فيها بحرية ويتواصلون عبر آلاف الكيلومترات بنقرة زر، لكن هل هؤلاء البشر أحرار فعلاً وديمقراطيون؟ ربما علينا أن نعيد التفكير في تفسيره للحرية والديمقراطية، بسبب كل هذا الذي نشهده في القرية الصغيرة التي نتجول فيها جميعنا طوال اليوم بأجهزة تحكم، مشدودين للتقنية أكثر من كوننا أحراراً أمامها أو بسببها.