بقلم - عائشة سلطان
يحلو لنا في أحيان كثيرة أن نسأل أهلنا، الكبار منهم تحديداً، الذين عايشوا تلك الأيام البعيدة المتوارية خلف السنين التي انقضت، ولم يكن لنا نصيب فيها.. في رؤية الناس فيها.. معرفة التفاصيل اليومية التي كان أولئك الناس يقضون أيامهم في التلهي بها، ومشاهدة الأشياء التي ظهرت في المدينة للمرة الأولى.
أتساءل دائماً عن أول شارع تم تعبيده في المدينة، وأول سيارة سارت عليه، من كان يمتلكها؟ وأول مدرسة من فكّر في بنائها، ومن تكفّل بأمرها؟ وأول محل لبيع ملابس السيدات؟ وأين افتتح أول حانوت لبيع الزهور؟ أفكر في أول منزل وصلته الكهرباء ودخله التلفزيون، وتحلّق حوله أطفال الحي ممتلئين بالدهشة والابتسامات المتشاكسة، كيف قضى أهله ليلتهم الأولى المختلفة؟
الحكاية الأولى لكل شيء في تاريخ المدينة وفي حياة الناس وحياتنا، هي في الحقيقة تاريخنا الشخصي وسيرتنا الخاصة، هي حكاية تطور المدينة وتكوّن شخصيات أهلها وعلاقاتهم ونمو وعيهم بذواتهم وبما حولهم.
أقف طويلاً مستذكرة حكاية أول مدرسة التحقنا بها، تعني أول خطواتنا باتجاه الخارج، باتجاه العالم، باتجاه الآخر، باتجاه التدافع والتزاحم والمعرفة والاكتشاف، والصدمات والصداقات، إنها تاريخ فطامنا عن صدر أمهاتنا، عن المشيمة الأولى، عن عالم الحماية والأمان والدخول في المعترك، حكاية أول مدرسة هي استذكار لعمر طويل مرّ بنا، وعلينا، وفي قلوبنا، ورسم شخصيتنا ووجداننا، وفي النهاية جعلنا بالطريقة والتفكير والمآل الذي أصبحنا عليه.
وحين يسألني أحدهم عن أول مدرسة تعلمت فيها، أراه سؤالاً ينقلني ليرمي بي إلى ما خلف السور الوهمي للعمر، والذي يفصل بين خطوة تلك الطفلة التي نهضت صباحاً لتودع كل ما اعتادته، ولتبدأ كل ما سيكون انطلاقاً من أول مدرسة سيعلمونها فيها القراءة والكتابة والتفكير والأسئلة.