بقلم - عائشة سلطان
تذكر أنني كنت في بداية دراستي للماجستير، عندما بدأ انتشار مواقع التواصل بين الشباب، كان ذلك منذ ما يقارب العشر سنوات، كان الإعلام هو مجال دراستي، لذلك سارعت للدخول في معظم مواقع التواصل، وكنت يومها أحمل أفكاراً تبدو لي اليوم شديدة البراءة (وربما السذاجة) للدور التنويري والتثقيفي الذي تخيلناه لهذا الإعلام!
وفي إطار بحث ميداني حول مواقع التواصل في تلك الفترة، قمت بطرح سؤال عبر حسابي على «فيسبوك»، خلاصته: كيف نقدم أنفسنا للآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل تتعارض الصورة التي نقدم بها أنفسنا عبر هذا الفضاء الغامض مع القيم الأخلاقية والثقافية، ومع فكرة المحافظة والخصوصية أم لا؟ كان الملاحظ أن نسبة كبيرة من رواد «السوشيال ميديا» يقدمون أنفسهم عادة حكماء، مثقفين، رومانسيين، وطنيين ولطيفين جداً، يقرضون الشعر ويتداولون المواعظ وآيات القرآن، وعند أول اختلاف يكشرون عن أنيابهم، ويبارزون غيرهم بقاموس من البذاءات اللفظية الشرسة، فأين ذهبت الحكمة والرومانسية إذاً؟!
أجاب أحدهم: «هذا دليل على أننا نتوق إلى أن نكون حكماء ورومانسيين، حتى لو افتراضياً، وهذا شيء جيد نتمنى أن نجده على الواقع». وأجاب آخر: «غالباً ما تظهر حقيقة الناس مع أول اصطدام بين الأفكار والثقافات المختلفة والمتعارضة، ومن النادر أن نجد شخصية حقيقية في هذا العالم الافتراضي، الأغلبية ترتدي أقنعة متباينة»!
مسرحي عراقي قال: «ما نظهره ليس ما نحن عليه فعلاً، بل ما نتمنى أن نكونه».. وقال غيرهم كلاماً كثيراً.
والخلاصة هي أن كثيرين لا يريدون أن يظهروا أمام الآخرين جهلاء أو مثيرين للشفقة، لذلك ما نراه ليس سوى محاولة لتجاوز الكثير من التعاسة، والتناقضات الشخصية فينا، ولعل البعض لا يريد أن يظهر إلا ما هو جميل تقليداً للآخرين، ما يعني أن «السوشيال ميديا» تحوّلت إلى المدينة الفاصلة وليس الفاضلة، الفاصلة بين الشخصيات والعوالم والفضاءات والأحلام والأوهام أيضاً!