بقلم - عائشة سلطان
في رواية الفرنسي غريغوار دولاكور «لائحة رغباتي»، لم تكن الإثارة في فوز بطلة الرواية جوسلين وحصولها على مبلغ 18,547,301 يورو، في سحب اليانصيب، بل كانت في محنة البطلة في الاختيار ما بين مكاسب اللحظة الراهنة التي تعيشها راضية قانعة، رغم وجود الكثير من النواقص وإلحاح العديد من الرغبات والاحتياجات غير المتحققة، وبين الخسارات التي يمكن أن تُمنى بها.
بعد الإعلان عن ذلك الشيك الضخم، كانت تعلم أنه قد حان وقت تحقيق جميع رغباتها، وأنها ستنتقل سريعاً إلى واقع مختلف، لكن الاختيار بين هذين الواقعين المتباعدين كان يحمل في طياته احتمال خسارات عميقة، حتى وإنْ لم تكن مؤكدة.
صحيح أن ولدها قد ابتعد عن المنزل وهو يحلم بمشروع محل الفطائر، وسافرت ابنتها بحثاً عن مستقبلها في تصوير الأفلام، لكن هل ستعيد الأموال تلك الأيام واللحظات التي ذهبت هدراً من أعمارهم، وهم بعيدون عنها، هل سيظل زوجها كما هو اليوم يجهز لها الساندويتش حين يعلم أنها ستقضي طيلة النهار في الخارج بلا طعام، وهل سيهرع للقائها في المحطة حين تعود في المساء؟ خاصة إذا حققت له رغباته واشترت له سيارة "البورش كايين" وشاشة التلفزيون المسطحة التي يحلم بها؟
إنها توازن بين لائحة الرغبات وبين ما تحظى به في حياتها الراهنة من قيم لا يمكن مقايضتها أبداً بأي مال؟ لقد قال لها المرشد النفسي في شركة اليانصيب: «إن المال يسبب الجنون وهو أساس أربع من كل خمس جرائم، وسبب حالة اكتئاب من كل اثنتين».
لذلك عمدت إلى إخفاء الأمر عن الجميع، وبدل أن تدخل لأرقى محل وتحقق رغباتها، دخلت إلى محل لوازم الخياطة لتشتري أقمشة وأشرطة وأزراراً بأربعين يورو، ولتخرج منه في منتهى السعادة.. فالسعادة قد تكلف أقل من 40 يورو أحياناً!