بقلم : عائشة سلطان
سألتني صديقتي: تعتقدين أن الناس هذه الأيام سعداء فعلاً لأن كل شيء متوافر لهم؟ أم أنهم يتظاهرون بالسعادة حتى يستكملوا شروط الوجاهة الاجتماعية والشكل العام، وحتى لا يتهموا بالشكوى والسلبية؟ بدا سؤالها من نوعية الأسئلة التي تعبر عن رأي أو موقف، لا سؤالاً ينتظر إجابة، مع ذلك فالقناعات الشخصية لا يجوز تعميمها واعتبارها واقعاً ينطبق على الجميع!
التعميم بشكل عام خطيئة فكرية وظلم اجتماعي، فلا يصح أبداً أن نطلق على شعب كامل صفة محتالين أو أغبياء، لأن أحدهم احتال علينا، ففي كل الشعوب هناك المحتال واللص والغبي والكريم والشهم والعبقري و.. إلخ، وكذلك فيما يتعلق بمفهوم السعادة والرضا، لا يمكن القول إن كل شعب السويد سعداء لأن الحكومة توفر لهم كل شيء، كما لا يجوز الحكم على أي مجموعة من الناس بالتظاهر والكذب لأنهم يبدون سعداء، قد يكونون كذلك فعلاً؟ ما المانع؟
كنت أتساءل دائماً: لماذا يبدو كبار السن كجدتي وجاراتنا المسنات والرجل العجوز الذي كنت ألتقيه جالساً في أحد ممرات المشفى حين كنت أزور أبي، رحمه الله، فترة مرضه، وكذلك حارس المدرسة التي عملت فيها وسائق الباص و..إلخ، أغلبهم كانوا - كما يبدو لي سعداء - وسعداء هنا لا تعني أنهم كانوا يضحكون طيلة الوقت، أو يبتسمون دائماً، أو يرقصون تعبيراً عن الفرح، السعادة المقصودة مرادف حقيقي للرضا، للتسامح مع الظروف، لتطويع المواقف.
هم يفعلون ذلك بحكم العمر والتجربة والسنين، العمر يعلمك الصبر، ويعلمك الحكمة، لأن كل ما يمر عليك، يترك درساً لا يمكن نسيانه حتى وإن نسيت آثاره، ومع مرور الدروس تصير واثقاً بأن الأقسى قد عبر، وأن غيره سيعبر أيضاً وسيمرّ، لأن الحياة خلقت من مشقات ومصاعب لتعجنك كي تحتملها!
السعادة هي شعورك الحقيقي بالامتنان لنعمة الحياة في وطن آمن، وبأنك ركبت قطاراً توافر لك فيه عائلة وأصدقاء مخلصون جعلوا رحلة حياتك أقل مشقة وأقل وحدة وأقل آلاماً، لذلك فحين تلقى عصا الشقاوات والترحال والمكابدة والمنافسة تعرف أنك رشفت من الحياة ما كنت مستحقاً له وما بذلت لكي تناله، لذلك فأنت راض ومبتسم وحكيم، وقادر على احتواء من حولك، لأنك ترى في كل واحد منهم جزءاً منك، من طفولتك، من اندفاعك، من طموحك، من حبك للحياة، من دأبك وصبرك، من عشقك وصبوتك.. فتنظر لسلسال الحياة المتدفق والجميل فتبتسم كثيراً وتمضي!