بقلم : عائشة سلطان
لا وجه واحداً للأشخاص الذين نعرفهم أو نتعامل معهم عادة، لذلك تصيبنا الدهشة أحياناً، ونتوقف فجأة في أول طريق المعرفة أو في منتصفه، لأن وجهاً آخر يظهر لنا لم نكن نتوقعه، لا تدري كيف يعيد الناس حساباتهم معك بشكل سريع أحياناً فيغيرون دفة العلاقة إلى اتجاهات غير التي كانت تسير فيها، ما يجعلك تقع في عمق الأسئلة: لماذا؟ ما الذي حدث؟ هل أخطأت؟
هل اختلفت حساباتهم لسبب ما لم أنتبه له؟ هذا يحدث غالباً في بدايات العلاقات الإنسانية، وهو ما حدث لنا جميعاً عندما كنا نعد العدة وننطلق في الحياة خفافاً بدون تجربة أو معرفة أو نيات، يومها كانت الحياة طقساً أبيض، وكان كل الناس طيبين وقابلين لأن يكونوا أصدقاء أبديين في حياتنا كما كنا نتصور!
لاحقاً كبرنا، ليس لنا يد في ذلك، وانتبهنا بملء إرادتنا وبفعل الصدمات طبعاً، ثم تكفلت الأيام بالباقي، فقدمت لنا ما يكفي من الأدلة على أن الناس ليسوا طيبين بالمطلق، وأن هناك تصورات عن الناس أكثر من الحقائق، وهناك فرق بين ما نعتقد أو نرغب في أن يكون حقيقة وبين الحقيقة فعلاً، هناك من يعيش حياة كاملة متوهماً ومتبنياً أفكاراً وتصورات وعواطف عن الأشخاص والأمكنة أحياناً، بدون أن يفكر أبداً في مراجعة قناعاته أو إخضاعها للمراجعة!
سنجد ذلك جلياً حين نتحدث عن بعض الأصدقاء والعلاقات العاطفية، عن الرموز التي لطالما آمنّا بها، عن بعض أقاربنا الذين نكتشف وجههم الآخر الذي لا يمت بِصلة إلى الوجه المثالي الذي لقنته لنا الكتب، عن البيوت الأولى التي سكناها في طفولتنا، وعن المدرسة والحي وساحة اللعب، فتلك المرأة التي تشاركنا العمل معاً ذات عمر.
والتي كانت تبكي وهي تتحدث عن أخيها الذي تغير فجأة، وسطا على ميراثها، وزوجها الذي تركها راكضاً نحو علاقة طارئة مع إحدى صديقاتها، كانت تردد دائماً: لقد تغيروا، لكن الحقيقة أن هؤلاء لم يتغيروا، لقد كانوا هكذا طوال حياتهم، هي فقط من كانت تمتلك تصوراً رومانسياً لهم!
في طفولتنا، نرى مدرستنا كبيرة جداً ذات طوابق عالية وسور بلا نهاية، بيوتنا أيضاً نتحدث عنها على أنها كانت كبيرة وجميلة ومختلفة، لكن الحقيقة هي أن المدرسة صغيرة وعادية والبيوت في منتهى التواضع، نحن نؤمن بأفكار ونحتفظ بتصورات ذهنية نصدقها ونحملها في داخلنا زمناً طويلاً، لكن الحقيقة لا تسكن هناك أبداً، ووحدها المعرفة والمواقف والمحكات تُظهر حقيقة كل شيء حولنا، وحقيقة إنسانيتنا هي التي تتكفل بإظهار الحقيقة، وليست العواطف الطازجة القائمة على الميل والرغبة والهوى!