بقلم : عائشة سلطان
يؤكد لنا القرآن وسائر الكتب أن كل أصحاب الديانات يصومون، ولسنا نحن فقط من يصوم على كوكب الأرض، وبنص القرآن »يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون«، لكن حالة الاستنفار القصوى التي تهيمن على المسلمين وبلاد الإسلام قبل رمضان أو أثناء أيام الصوم المباركة، خلعت المعنى الروحاني التطهري عن الصوم وحولته إلى سباق مادي في البضائع والأسعار والمسلسلات والأكلات، ما جعل الصوم يفقد فضيلة التقوى، التي فرض لأجلها »لعلكم تتقون«!
ماذا فعلنا؟ سيسأل كثيرون هذا السؤال، نافين عن أنفسهم أي سلوك يمكن أن يفهم منه الإضرار بروحانية الشهر الفضيل، فالناس تصوم، والمساجد عامرة في صلاة التراويح، والصدقات توزع، والموائد تمد في كل مكان للمحتاجين، وأواصر المودة تتجلى بشكل جيد في هذا الشهر.
كل ذلك موجود -ولله الحمد- مع ذلك فرمضان موسم عبادة فعلاً ذهب معظمه لصالح سلوكيات لا علاقة لها بهدفه الأساسي، فما زلت أذكر اليوم الذي سبق رمضان مباشرة، كان الناس يتقاتلون على بضائع الجمعيات التعاونية، وكانت العربات التي تدفع في الجمعيات تفوق عدد الناس بمرات، وكأن غداً ليس أول أيام الصيام بل أول أيام الاحتفال باكتشاف الطعام!
بعد ساعات العمل يقضي معظم الناس الوقت في شراء الطعام وإعداده ثم الشكوى من تبعات تناوله بكميات كبيرة، ولعلاج ذلك صار الاسترخاء الوثير أمام الشاشات ومتابعة المسلسلات هو الحل الأمثل، وأثناء ذلك يتم التهام المزيد من الطعام وشرب الكثير من الشاي والقهوة، كل ذلك ونحن ندّعي أننا نتطهر بالصيام ونصاب بنوبة غضب مفاجأة، إذا فاجأنا أحدهم بإفطاره لأنه من غير المسلمين مثلاً، فنصرخ فيه لأنه »يجرح صيامنا ولا يحترم مشاعرنا« فقط لأنه يحمل كوب قهوة من دون أن يتناوله بعد!
لذلك، صرخت تلك المرأة المحجبة في وجه أخرى حين رأتها تحمل فنجان قهوة، معتبرة أنها تجرح صيامها، فيا لهذا الصيام الذي يجرحه كوب قهوة؟ ولا يؤذيه حشد التفاهة على الفضائيات كل دقيقة!
برأيكم: لماذا تحشد القنوات التلفزيونية وشركات الإنتاج الكبيرة كل إمكاناتها لتقديم كل هذه الأعمال التي تعرض على الشاشات؟ لأننا صائمون ويريدون الترفيه عنا؟ لماذا يرفه عن الصائم الذي يعيش جو عباده وتقرب لله وكأنه كان خلال يومه مسجوناً داخل صومه أو معرضاً للتعذيب؟
لماذا في صيام رمضان فقط تحشر شركات الإنتاج الفني أنفها لتخرج لنا كل حفلة التفاهة المعروضة على الشاشات؟ لماذا هذا الاحتشاد الفني؟ لماذا لا يرتجف أحدهم غضباً إذا أكلنا أو شربنا أمامهم مما لا يحق لهم تناوله كما نفعل نحن؟ لماذا علينا أن نشعر الجميع بمعاناتنا من الصيام كل لحظة، فنجرح صيامنا بأنفسنا من دون أن ننتبه؟!