بقلم : عائشة سلطان
يحدث أن تجلس مع بعض أصدقائك في أحد المقاهي أو المطاعم، فيطلب أحدكم من النادل أن يحضر له «شيشة»، فيبادره آخر مبدياً امتعاضه: شيشة؟ يردّ الأول ساخراً: نعم شيشة، هل لديك اعتراض؟ لا أستطيع تفويت فرصة تدخين شيشة في مكان كهذا! يبادره الآخر: تعترف بأنك مدمن إذاً؟ يرد «المدمن»: نعم، إن شئت، وكلكم مدمنون، انظر إلى نفسك، فمنذ جلسنا لم تتوقف أصابعك عن العبث بهاتفك، ماذا يمكنك أن تسمي هذا؟ أليس هذا إدماناً؟
تفتح عينيك صباحاً، فتمتد يدك دون تفكير باحثةً تحت الوسائد وعلى الطاولة قرب سريرك، تتساقط الأشياء وتعم الفوضى وأنت تبحث، في حين لم يتخلص جسدك بعد من آثار النوم، لكنك بنصف عين مفتوحة تبحث عن ذاك الهاتف اللعين، فما الذي جعله أول ما تفكر فيه إذ تصحو، وآخر شيء يفارقك قبل أن تأوي إلى النوم مساءً؟ وكأن العالم سينقلب رأساً على عقب، أو كأن الكرة الأرضية قد تتوقف عن الدوران في غياب الهاتف عنا!
الهاتف النقال لم يعد هاتفاً، أصبح وجوداً آخر موازياً ومعادلاً لك، بل تفوق عليك، فلم يعد يصلك بالآخرين عبر محادثات هاتفية أو رسائل قصيرة، تلك وظائف عفى عليها الزمن، فمن ذا يستخدم خاصية الرسائل اليوم؟ ومن لا يزال يدير أرقام أصحابه ليحدثهم، أصبح العالم يتحدث بأصابعه، وليس بلسانه ولا بقلبه؟ يبحث عن أي برنامج مجاني، أي تطبيق ليتواصل افتراضياً، وهكذا يبقى الناس متواصلين طوال النهار دون أن يتحدثوا، ودون أن يروا بعضهم!
هذا الإدمان الذي لا يقل خطراً واستحواذاً على الدماغ وحركة الجسد عن إدمان الشيشة والسجائر والهيروين والكحول، صار كأنه من غير المقبول تخيل عدم وجوده معك، بين يديك، أو قريباً منك، صار وجوده أهم من وجودك ربما، فلا يسأل الناس إذا جلسوا في مقهى عن قائمة الطعام أولاً، بل عن الـ«واي فاي»، ولا يمكن اختيار فندق لقضاء الإجازة إذا لم يكن يوفر هذه الخدمة التي أصبحت موازية للأكسجين!
لم يكن ذلك الصديق مبالغاً حين قال: «كلنا مدمنون»، فالأمر خرج عن سياقاته التقليدية، ودخل طور مخاطر لا تحصى، تجاوز الهاتف دوره، تحوّل إلى تحدٍّ هائل يطول الجسد والروح والعلاقات الاجتماعية وصولاً إلى منظومة القيم، دون أن يعني ذاك أي نكران للفضائل التي يمنحنا إياها، لكننا نتحدث حين يتجاوز الأمر الاعتياد إلى الإدمان!