بقلم : عائشة سلطان
لدينا مشكلة كبيرة في إدراكنا وفي علاقتنا بالمعرفة، أو بمعنى أدق بمصادر المعرفة، فلو سألت خريجاً جديداً أو حتى خريجاً مضت عليه سنوات وتوظف ووصل إلى درجات عالية في سلم الوظائف في مؤسسته عن مصادر المعرفة بالنسبة له، فإنهما غالباً - الخريج الجديد والخريج القديم - لن يمتلكا إجابة دقيقة وواضحة على ذلك، في الحقيقة يكمن السبب في أننا نقطع صلتنا بالثقافة والمعرفة والاستزادة من العلم بمجرد حصولنا على الشهادة الجامعية التي تشكل شهادة العبور الحقيقية للوظيفة والراتب الشهري، ونقطة آخر السطر أو آخر كل شيء له علاقة بتجديد خلايا المعرفة والثقافة والقراءة عند معظمنا!
نحن ندرك أنفسنا، وواقعنا، علاقاتنا بالآخرين وبكل تفاصيل المحيط، حقوقنا وواجباتنا، دورنا وحجمنا، صورتنا في مرآة أنفسنا وفي مرآة الآخر، ندرك ذواتنا وماذا نريد وكيف نصل وكيف يجب علينا أن نتصرف حيال المواقف والأزمات والشدائد، نحن ندرك ونعرف ونفهم بالعلم والمعرفة وبالوعي أولاً وأخيراً.
أما الوعي فيتأسس من حاجتنا الإنسانية أفراداً ومجتمعات لهذا الوعي، وهو إذ يأتي من الحاجة فإنه لا يستمر إلا بالمعرفة، وهذا معناه أننا إذا لم تستمر صلتنا بالكتاب والمكتبة والبحث ووسائل الإعلام والتلقي والاستفادة من تجارب الآخرين وووو الخ، فإن إدراكاتنا ووعينا بدرجة تطورنا الإنساني ستتوقف وربما تضمحل عند منحنى أو مكان ما!
إن هذا المنحنى الذي يتوقف فيه تطورنا هو ما نسميه نقطة التخلف، نعم، فنحن نتخلف في الوقت الذي نتوقف فيه عن التواصل مع مصادر المعرفة، وهذا ما حصل لنا بالضبط كأمة، توقفنا عن الإشعاع الحضاري، عن المساهمة في الناتج المتحضر والمبدع والمفيد للبشرية، لم نعد ننتج شيئاً، أصبحنا ننتظر الآخر كي يبحث ويتعب ويفكر ويخترع ويصنع ويرسل لنا ناتج حضارته، وما علينا سوى أن ندفع المال ونشتري ومن ثم نلفظ البقايا خارج إطار حركة الحياة.
تحولنا إلى مستهلكين، وللأسف، جاءنا رجال ادعوا أنهم رجال دين أوهمونا بأن ذلك من نعم ورضى الله علينا، حيث الكل مسخر لخدمتنا، وما علينا سوى أن نمد أيدينا فتأتينا ثمار تعب الآخرين، بئس هذا التفكير الذي يضاعف ضعف أمة كانت ملء السمع والبصر، حين كانت تتواصل ليل نهار مع العلم والمعرفة والثقافة وتعمل فكرها وذهنها دون توقف!