بقلم : عائشة سلطان
ليس هناك عالم واحد ولا وجه واحد للشخص أو الأشخاص الذين نعرفهم أو نتعامل معهم أو يمرون بنا في حياتنا، هناك دائماً وجوه وليس وجهاً، وهناك تصورات أكثر من الحقائق، وهناك فرق بين ما نعتقد أنه حقيقة وبين الحقيقة فعلاً!
هناك من يعيش حياة كاملة متوهماً أشياء ومتبنياً قناعات وتصورات عن الأشخاص والأفكار وحتى الأمكنة أحياناً، مقتنعاً بأنها حقائق مطلقة كما يراها بعينه المجردة، أو كما تربى عليها في أسرته، وبالتالي يتحدث عنها ويدافع عنها كحقائق، ويحملها في داخله كحقائق، ويحمل لها الكثير من الاحترام والتقدير، ويفخر بذلك كله، دون أن يفكر أبداً في مراجعة قناعاته هذه أو إخضاعها للمراجعة أو المساءلة، بينما هناك مسافة كبيرة بين ما يؤمن بمثاليته وبين المثالية أو الحقيقة!
في رائعة إليف شافاق «لقيطة إسطنبول» الكثير من ذلك، فمدينة إسطنبول المسرح الأكبر الذي دارت معظم أحداث الرواية فيه، هي مدينة تعيش بملايينها العشرة مخترقة بهم قروناً من التاريخ وموحية لهم بالعظمة والتاريخ والمجد، بينما تحت جلد هذه المدينة السميك جداً والمكون من طبقات من الأقوام والأقراق والإمبراطوريات، ينبض تاريخ آخر من المآسي والكوارث المسكوت عنها أو غير المعترف بها، ومن الشجاعة المطلقة لكاتبة تركية أن تزيل تلك القشرة الرقيقة الشفافية بين الوهم والحقيقة، لتقول للأتراك بشكل لا يقبل اللّبس: لقد ارتكبتم الكثير من الكوارث ضد الآخرين، دون أن تفكروا حتى في الاعتراف بذلك، ناهيك عن تقديم اعتذار مستحق!
إن للأدب أدواراً مختلفة، وتقديم الحقيقة هو أحد هذه الأدوار، إذ يمسك مرآة التاريخ ليضعها أمام المجتمع، ليرى حقيقة نفسه كما ينبغي له، دون زيف أو ادعاء أو مبالغات!
لقد تمت ملاحقة الروائية قضائياً بعد نشر الرواية، ومثلت أمام القضاء بتهمة إهانة التاريخ القومي للأتراك، بادعاء ارتكاب مذابح ضد الأرمن، لكنها تمكنت من إثبات براءتها!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان