بقلم : عائشة سلطان
انقضى مائة عام بين وعد بلفور المشؤوم (1917) وقرار دونالد ترامب الأهوج اللامسؤول (2017)، مائة عام وظلت القدس أرض الأنبياء، ومهد المسيح، ومسرى المصطفى، وهي عاصمة فلسطين الأبدية وعروس العروبة الأولى.
مائة عام من الاحتلال والاغتصاب، والاعتداء على كل شيء يخص أصحاب الأرض، على الحياة كلها هناك من أولها وحتى قاع القلب فيها، الاعتداء على الشجر والبشر، على الأرواح والدماء والأعراض، على أحلام الشباب والصبايا، على الأرزاق والحريات، على الحرمات والصلوات، على الأمهات الصابرات، على مفاتيح البيوت وأشجار الزيتون ورائحة الزعتر البري وبرتقال يافا، على التفاصيل كلها: الرقصات والأغنيات ونقوش الثياب وطعم الخبز على الصاج. مائة عام والمحتل في محاولة يائسة لاقتلاع الجذر من التربة، والجذر متوغل في أبدية التاريخ إلى ما لا نهاية!
مائة عام من الصلف والكذب والادعاءات حول وضعية القدس كعاصمة للديانات الثلاث، وحول الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات، وحول الحياد والتعهد برعاية وإحياء عملية السلام لنزع فتيل المواجهات بين الجانبين ولتنعم المنطقة بالسلام والبركة! فكيف تبارك الضحية جلادها، وبأي منطق تتعاون معه؟
وأي سلام واستقرار ننتظر والشر قد طرق أبواب القدس وسقط العدل على المنابر، وطالما الاستسلام سيد الموقف والمشهد والفعل وردات الفعل في كل مكان!
مائة عام، وحرب اجتثاث بلا هوادة.. وقوافل الشهداء تتواصل، تنتهي برجل أميركي يقف في مواجهة العالم متلعثماً تتداخل الكلمات وتختلط في فمه ليطلق قراره (القدس عاصمة «إسرائيل» المباركة)، والذي لم يأت مفاجئاً أبداً، فقد مهدوا له الأرض بالخراب والفوضى طيلة السنوات الماضية، كما مهد من قبلهم الأرض لذلك الوعد المشؤوم الذي افتتح تاريخ الشتات الفلسطيني، ودشن أسطورة المنافي ومخيمات اللجوء العربية!
بعد مائة عام من الاحتلال والتزوير، لم يكسب المحتل سوى المزيد من الكراهية، واتفاقيتي سلام باردتين، لم يستطع من خلالهما اختراق ذهنية رجل الشارع العربي أو تغيير مسارات نظرته وتقييمه له، فلا يزال المحتل طارئاً على المكان، قاطع الطريق السارق للجغرافيا، القاتل والعنصري، والمرفوض جملة وتفصيلاً، كما قرار ترامب تماماً، فحتى بعد مائتي عام سيأتي من يحرر القدس ويعيدها لأصحابها.