ناصر الظاهري
كثيرة هي الأسماء المعبرة عن مسمياتها، وكثيرة المسميات المنسجمة مع الأسماء الدالة عليها، وأكثر من هذه وتلك، الأسماء والمسميات المتناقضة مع بعضها البعض، كحامل اسم كريم وهو أبخل خلق الله، أو جميل وهو أشين خلق الله، أو شجاع وهو أجبن خلق الله.
ومنذ أطلق في صدر الإسلام على عمرو بن هشام لقب أبي جهل، عوضاً عن أبي الحكم كان ذلك إيذاناً بأهمية تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة، والألقاب بالحقيقة العملية، لا اللفظية الدالة عليها، فكانت الصفة من الموصوف وكان النعت ثوباً مفصلاً على قدر المنعوت.
لذا أدرك عتبة بن ربيعة مبكراً ما يريد له أبوجهل، ولأبنائه من ورطة في يوم بدر، ولكنها عصبية العزة بالإثم التي جعلته يجهل فوق جهل أبي جهل! ويتخذ موقفه الانتحاري مع أخيه وابنه على مذبح الانسياق وراء أبي جهل! كذلك كانت العرب تطلق الاسم على ضده، فتسمي الملدوغ سليماً والأعمى بصيراً، من باب التلطف، وتطييب الخاطر.
ومع ذلك ظل الوصف من شيم التأمل عند العرب، وظل الرجال يعرفون بالنعت والكنية، ولكنها نعوت تحولت من إلصاق السجايا والمهارات والألقاب بذات الشخص، إلى ما أصبح يعرف بالأبوة، بتسمية الرجال بأسماء أبنائهم البكر، وقلما يتسمون بأسماء بناتهم، أو ما جرى العرف به كأسماء معروفة واشتهرت بألقاب معروفة فتسمى الناس بها.
أما الأسماء الحركية للقيادات في المنظمات الفلسطينية فقد اكتسبت نوعاً من التمييز والفرادة حتى غلبت على أسمائهم الحقيقية. وتسمية المؤسسات والنشاطات يبدو شبيهاً بتسمية الأشخاص، فيه المبالغة، مثلما يعطيك أحدهم «بطاقته» فإذا قبل اسمه ألقاب، وبعد شركته مسميات لأنشطة، نصفها لا تعرفها شركته!
ولكن من المطلوب والمحبب إطلاق الأسماء المحببة والبسيطة والمحمدية على أبنائنا وفلذات أكبادنا دون مبالغة في الاسم ولا مبالغة في الحب والدلال، لا كما كان يفعل العرب في جاهليتهم وإسلامهم باختيار أسماء الحيوانات المفترسة والجوارح من الطير والأسماء المرة وذات المخلب، في حين يختارون لخدمهم أسماء هينة لينة تدخل البهجة والسرور والأنس على النفس، لأنهم يعتقدون أن أسماء الأبناء للأعداء وأسماء الخدم لهم ولطبيعة عملهم. ولعل مواءمة الاسم بالفعل أمر مفضل، لذا كان اسم ابن هاني الأندلسي سلساً ورائعاً لكن قوله ما شئت لا ما شاءت الأقدار فيه من المبالغة ما يصل حد الخروج عن القيم، ومن التزلف مالا يليق بشاعر كبير ولا حاكم بأمر الله!