بقلم - ناصر الظاهري
لو تفكرنا في أسرار الابتسامة، تلك السفيرة غير العادية نحو الآخر، حتى ولو كان حيواناً أو طيراً أو شجراً، لا ندري على وجه الدقة متى كانت أول ابتسامة؟ ومن أطلقها؟ وما هو ذاك الشيء الذي أخرجها من مخبئها الغامض؟ شخصياً أعتقد أن أول ابتسامة حينما رأى الرجل الأنثى بجانبه، خارجة من ضلعه، ما الذي يجعل الإنسان يبتسم؟ ثمة شيء خفي في داخله هو الذي يحرك تلك العضلات المشدودة في الوجه، ويجبر الأسارير أن تنفرج ولو قليلاً أو يرسل لها إشارات عصبية لتترجمها إلى فرحة صغيرة على الوجه، هل الابتسامة رديفة الراحة والرضا الداخلي؟ هل تحتاج إلى محفّز أو مغازلة من الخارج لتخرج معبرة عما زغزغ دواخلنا، ولو كان أمراً بسيطاً؟
- الغريب أن ما يضحك الإنسان في الشتاء، ليس بالضرورة أن يضحكه في الصيف، وأن الحركة التي يقوم بها شخص، قد لا تبعث على الضحك إن قام بها غيره.
- الوقت قد يساعدك على الابتسام أو لا يساعدك في لحظة غير مناسبة، ما يجعل الصغير يبتسم غير ما يجبر الكبير أن يخرج تلك الابتسامة العصيّة، ابتسامة الطفل حاضرة وسريعة، ربما مبعثها البراءة وعدم التلوث والإقبال على الحياة، ولا سقف فوق رأسه من الوصايا والمحاذير والمخاوف، في حين تكون ابتسامة الكبير متعسرة وصعبة، ربما مبعثها اكتمال الوعي، وثقل الأشياء، ووطأة الحياة المدبرة، والتصنع الاجتماعي كقناع يرتديه بعض الناس خوف القيل، وما يقال، وما قد يقال، سلسلة طويلة نصنعها من أجل عيون الآخر.
- ابتسامة المرأة غير عن ابتسامة الرجل، وابتسامة المرأة الشابة تختلف عن ابتسامة العجوز، فالطفل قد يجعله منظر الآيس كريم مبتسماً، وقد تستمر معه الابتسامة رغم تلطيخ ملابسه، الألعاب هي الأخرى تجبره على الابتسام، وتجعله يرقص ويصهل بصوته الصغير، في حين الرجل العجوز إن تسهلت مثانته، فقد يبتسم وبعمق وراحة، وإن لم توجعه ركبه، ولم يشكُ من رأسه، فذلك مبعث للرضا والابتسام، تذكره لأشياء من الماضي تخرج ابتسامته من مخبئها.
- ابتسامة النفس في الصيف للكأس الباردة المغبّشة المندّية، يغيبها فصل الشتاء، ولا يجعلها حاضرة لرؤية الكأس نفسها، وربما يشعر الإنسان بقشعريرة تسري تحت جلده، وترْعد بدنه، وقد يفضل عليها شباكاً مقفلاً أو كستناء تشوى أو أحداً يتصدق عليه بطرح بردة على ظهره.
- فنجان القهوة المتصاعدة أبخرته أو رائحة احتراق القهوة، تلزمك بالابتسام وبالتنفس بفرح، الانتهاء من الاستحمام يجعلك تبتسم، رؤية المرأة الجميلة تضطرك إلى الابتسام مجبوراً، هذا إذا لم تتناثر أسنانك، والخبز الساخن يضحك القلب.
- هناك أسباب كثيرة للابتسام، وألوان كثيرة للابتسامة، لكن أشدها خبثاً وعملاً شيطانياً، تلك الابتسامة الصفراء الخارجة من عيون زرق، ومن بين أسنان فرق، ابتسامة قارصة حامضة.
- مرة ضبط عربي متلبساً بالابتسامة، وبفعل يدعو للتفاؤل، فصاح به الجميع مذعورين: خير.. اللهم اجعله خيراً، اللهم عدّي هذا اليوم على خير، اللهم الطف بنا من عمل قد يغضبك، ويا خفيّ الألطاف، نجنا مما نخاف، لِمَ العربي والمسلم يرعبه الضحك، وتغير شكله الابتسامة؟
- الابتسامة تلك الرحمة التي تختبئ خلف جدار القلب، عند طرف شق الفم، ليتنا نرسلها قبلنا أينما سار بِنَا ظلنا، لأن لها مفاتيح المغالق، آسرة القلوب، وزارعة خلفها عشباً أخضر يدوم طويلاً!