بقلم : ناصر الظاهري
من بين الذين تلتقيهم في ساعات السفر وأيامه القليلة، كأصدقاء عابرين ومقترحين غير سائقي الحافلات السياحية، نادلو مطاعم ومشارب الفنادق الذين سيبدأون في التعود على وجهك، ومد جسور وهمية من الصداقة الفندقية، لن تتمتن إلا إذا كنت من ذوي الأيدي البيضاء، تاركاً عنك ذلك البخل الذي يتصف به عادة السواح الذين تنتابهم وساوس السرقة والحاجة والخديعة في السفر، معتقدين أن الآخر ما هو إلا مشروع نصب، نادلو مطاعم ومشارب الفنادق يتمتعون بروح المبادرة، ولعله الفضول هو من يدفعهم لتلك المغامرة غير المحسوبة، ولعله أيضاً ميزان قياسهم للشخصيات لكي يعرفوا كيف يخدمونها بشكل مختلف مجلبة لتكسب سريع، وهنا لا شك أن الرجال أكثر ودّاً، وأكثر دماثة، سواء من جانب السواح أو من جانب العاملين، وفي الفنادق العريقة هناك عاملون لديهم من خبرة المهنة وخبرة الحياة الكثير، وبعضهم مثقفون فوق العادة، ويجيدون لغات عديدة، وكثيراً ما يضيفون لمعرفتك الكثير، غير أن عيبهم مثلما يقولون لك: مرّ علينا شخص من تلك البلاد، لم نر مثله في قبض اليد، ومتطلباته المترفعة، وتعاليه الفارغ، سيقولون لغيرك عنك ناقلين صفاتك، وما تحمل شخصيتك من مثالب أو محاسن كخبرة يزودون بها الآخرين.
هناك من الشخصيات التي تجدها صديقة لكل المسافرين، طارحة ودها وخدماتها للجميع، بوابو الفنادق الذين يخجلونك أحياناً بأدبهم الذي تدربوا عليه طويلاً، ويقدمونه لك مثلما يقدمونه للآخرين بمجانية سخيّة، حتى أن بعضهم «يخادي» بك حين تتنازعان على فتح الباب أو إقفاله أولاً، خاصة إن كنت مثلي لديه رهاب أن أحداً سيصك باب السيارة على أصابعه بغتة، وحينها لا تنفع كلمات مثل آسف كثيراً أو إسمحلي، وأصابعك مرضوضة رضّاً، فساعتها لا ترى غير نجوم الظهر، كما أنها عادة برجوازية أمقتها، ولا أفعلها للأنثى المتطلبة إلا في بداية نسج المعرفة، لكي تقول عني إنني «جنتلمان» ومهذب، وصداقته مكسب في الحياة، وأتعجب من الأوروبيين وهم يفعلونها لنسائهم في الطلعة والردة، والحمد لله أننا لا نعرفها في حياتنا، وإلا سيصبح المواطن ما له شغلة في الحياة إلا فتح الباب للزوج المصون وقفله، ونساؤنا لسن مثل الأوروبيات، الواحدة تظهر في الأسبوع مرة، وإلى مكان واحد للتبضع، حريمنا ونحن نعرفهن، تبقى الواحدة منهن «تشالي» برجلها وندور من دكان إلى خياط إلى مُحنّية إلى معقصة إلى مفقّعة، وربيعتي ساكنة في الوثبة، وعند صديقة العمر من زمان ما شفتها مقيمة في المرفأ، والله لو الزوج من أصحاب كمال الأجسام ليشكو من ظهره وركبه من كثر ما يفتح «البيبان» لأم كندورة مخوّرة.
الأصدقاء العابرون في السفر كثر، ومختلفون، عادة ما تنتهي العلاقة بنهاية اليوم مع جلهم، فقط بعضهم من تحتفظ بصداقته أو على الأقل تتذكره بين الحين والحين، وتتفقده بين الحين والحين، وخاصة حين تدخل مدينته، ولا تجده في مكانه المعتاد، فينقبض صدرك، ولا تتمنى له ساعتها إلا أنه مازال يتمتع بنَفَس في الحياة.