تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

صعب على الإنسان أن يدخل الدولتين العظميين قبل أربعين عاماً، ولا يشعر بتلك الضآلة التي تفرضها الهيبة المتخيلة لمدنها المتسعة والقاسية، والشعور بأن الإنسان يمكن أن يسحق تحت عجلات الآلات الضخمة التي تسيّر المجتمعات فيها، هو شعور أقرب لليتم حتى تجد صديقاً فيها يعرف أماكنها الخلفية، ويختصر لك الوقت والعثرات أو مرشدة سياحية تدلك على دروبها، وتجعل الدفء قريباً منك، ستمضي الأيام الأولى فيها متراخية حتى تلقي عليك شيئاً من الطمأنينة، فإذا بها مدن جديرة بالمكوث فيها، والتغني بأمكنتها، وما يفرح قلبك حين تستيقظ قابضاً على صباحاتها الجميلة.
في أميركا، الناس يختلفون عما نراه في السينما، ثمة ود في الشارع، وقليل من لم يقف عند السؤال، وقليل من يمر بجانبك ولا يبتسم في وجهك، ثمة صداقة مطروحة في الطريق، مثل ميناء عاج بالغرباء، وكل واحد يتلمس موطأ خطواته ليحاذي الآخر في خطوط تقاطع من الود والاحترام، وهو شأن كل النفوس التي تخاف من الضياع، في كل المدن الأميركية تريد أن ترسم صورة واضحة لهيئة الأميركي، فلا تجد إلا صورة هلامية تتنازعها أعراق ودماء ووجهات مختلفة، وهو رهين تلك الثقافات حين تنصهر مشكلّة مواطناً عالمياً جديداً.
في مدن الاتحاد السوفييتي القديم، الأمر يكاد يكون «سيان»، مع بعض الاختلافات التي بقيت عصيّة على التغيير خلال السبعين عاماً من سيادة الأيديولوجيا، والانصهار الوحدوي، فالمواطن السوفييتي متماه في ثقافات مختلفة وأعراق متعددة، ولكنك يمكن أن تميزه، وإن تحدث بلغة روسية واحدة، لكن ليس له صفة البشاشة، وروح المرح كما هي عند الأميركي، قد يطول الوقت حتى تكسب ثقته، وإن كسبتها، رماها كلها في حضنك دفعة واحدة، الأميركي تظل صداقته تلامس السطح، فلا هو يريدك أن تذهب بتلك الصداقة بعيداً، ولا هو قادر أن يهبك صداقة عميقة.
لذا بعد انتهاء الحرب الباردة بينهما، ظهرت في السينما الأميركية والروسية ملامح الشخصيات من البلدين، والتي رسمتها السينما وأرادت تصديرها إلى العالم، فالسينما في هوليوود خططت ملامح الشخصية الروسية الجديدة بعد الانهيار، والمكاشفة، وسقوط الأيديولوجيا، فأظهرت الروسي بصورة نمطية جديدة، غني، مسرف، يلبس ويأكل ويشرب ويتصرف بطريقة فلاحية، رجل عصابات، شرير، يتعامل بخشونة وغباء مع كل شيء، جلف مع زوجته والنساء، وحقود تجاه الغرب وأميركا، في حين أظهرت السينما الروسية ملامح الشخصية الأميركية، عنجهية على فراغ، بطولات وهمية، متعال، ساذج، وسطحي في التناول، غير مثقف أو واع، هو أقرب لراعي الأبقار، غير شجاع، ومحب للمال، وكل شيء عنده يخضع لمسألة الربح والخسارة، منصاع لزوجته المسيطرة.
لكن حينما تزور الآن تلك المدن المتسعة والقاسية كسائح مطلع وتهمك المعرفة، وقراءة الإنسان والمكان، وتبحث فيها، لا تجد ملامح تلك الشخصيات المركبة في الشارع الأميركي أو الروسي، تجد إنساناً بسيطاً يبحث عن إنسانيته، وأحياناً عن هويته

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates