بقلم - ناصر الظاهري
زمان.. حين نقول: «مندوس يدوه» أو «مندوس العيوز»، يعني أن ذلك «المندوس الصَرّتي» زينة وخزينة، وأنه «ملايم وايد في بطنه»، والعجوز ما ترمي شيئاً، كله عندها له عازة، ويأتي يوم ونحتاجه فيه، لم يغب عني ذلك المثل خلال أسبوعين، وأنا أعيد ترتيب مكتبتي في العين، نافضاً الغبار عن أوراقي وصوري وخزائن من المستندات والملفات، هذا العمل كنت أؤجله منذ أعوام، لكن المكوث في المنزل الإجباري والاختياري، شجعني على الركض إلى الخلف، ونبش أشياء بين الرفوف وفي الخزائن، بعضها منسي، وبعضها محتفظ بوده وذاكرته، وبعضه قابع في صمته، كنت أعد ذلك عملاً متعباً في البداية لكن مع مضي أيامه الأولى صار مصدر فرح ومتعة ودهشة، ومحفزاً لاستجلاء الذكريات، والتفكر في مضي الوقت بعجلة غير متوقعة، ترى.. ماذا وجدت في تلك الرحلة الذاهبة إلى الوراء، وبفرح:
- شهادة أصلية للصف الرابع ابتدائي 1968-1969، وشهادة الصف الخامس عام 1969- 1970 لصديقي علي عبدالله جمعة، لا أدري كيف وصلت إلى مكتبتي الآن، فصورتهما وأرسلتهما إليه بطريقة «الديجتل»، فلربما أدخلتا شيئاً من السعادة لقلبه الذي يستحق.
- شهادة إعدادية عامة أصلية تخص صديقي محمد سعيد الكعبي عام 1976، لا أدري في الأساس أنها عندي، ومحتفظ بها.
- برقية من معالي وزير الإعلام، سمو الشيخ عبدالله بن زايد مهنئاً بمناسبة شهر رمضان المبارك، وكنت اعتقد أن زمن البرقيات انتهى في الثمانينيات، لكن اتصالات ذكرتني بأن البرقية ظل معمولاً بها حتى أواخر عام 2000، وقت إرسال البرقية من خلال مهرها البنفسجي.
- صور قديمة لزملاء وأصدقاء ومشاهير ونجوم رياضة وفن وثقافة وسياسة وإعلام، وهذه لها متعة قصوى في استعادة ذكريات، بعضها غاب في الزمن، وحضر الآن مع تنهيدة من الصدر صادقة.
- وجدت فواتير لتلفون سيارتي القديم 26546، وأخرى تخص رقم «البليب» 9026546، في بدايات الثمانينيات، ساعتها أيقظت تلك الأرقام ذكريات شبابية، ومغامرات صوب الحياة التي تتشكّل، وتشكّلنا، نازعة عنا غلالة البراءة باتجاه الرجولة، وقصص تبدأ بشريط «كاسيت أو كاترج» فيه «كوكتيل» أغاني مُجرّاه ومسجلة بطريقة سريعة.
- وجدت رخصة السياقة الأولى «الليسن» التي حصلت عليها 1977، بعد عدة «ترايات»، وواسطة حتى حصلت على «الليسن»، أيام «الكير» العادي، والغيار العكسي، وطلعة المطلاع، بتوازن «الكلج والبترول»، والترخيص حينها كان في قلعة المربعة.
- وجدت رسائل من ذات القلب المجروح، والسهم الخارج من طرفه، وكلمات مثل: «الذكريات ناقوس يدق في عالم النسيان»، وصور بالأبيض والأسود بالحجم الموجود في جوازات السفر أو في شهادة الإعدادية أو الثانوية العامة، بذلك القميص الأبيض والشيلة الوسمة، وبروز خجل لقصة الشعر، وثمة رهبة لعدسة وفلاش الكاميرا، وهيبة لذلك الواقف خلف «العكاس»، يستنهضه بقوله الزاجر: «يا الله.. هيّاك إنقفض»!
- وغداً.. نكمل.