اللحن الجنائزي

اللحن الجنائزي

اللحن الجنائزي

 صوت الإمارات -

اللحن الجنائزي

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

كثيرون كانوا يرونه، ويعرفون صورته، ورسمه لديهم غدا مألوفاً ضمن تلك الجوقة الموسيقية التي لا تخلو شاشتنا الصغيرة منها يوماً، غير أن اسمه كان غائباً عنهم، هكذا هو شأن العازفين في الفرق الموسيقية، و«عدنان الهاشمي» هو واحد منهم، بدأ في السبعينيات عازفاً وضابط إيقاع، وساهم في تأسيس فرقة الإذاعة والتلفزيون، وجلس خلف مطربين محليين وخليجيين وعرب من مختلف الأقطار، جاؤوا هنا، واشتهروا من هنا، وسجلوا أغانيهم للإذاعة والتلفزيون، وفنانون كبار حضروا للمشاركة في الاحتفالات الوطنية والمناسبات الاجتماعية، كان إنساناً بسيطاً طيباً وخلوقاً إلى درجة حُمرة الخجل، خفيفاً كظل طائر، كثيراً ما كان يعترض طريقي بالصدفة إما خارجاً من التلفزيون أو داخلاً الإذاعة، وقدماه تتدافعان جمعة كعادته في المشي، كان مبنى الإذاعة والتلفزيون القديم أشبه ببيته، وكبر معه، حينما كان الخير والود والتعارف في ذاك المبنى القديم، حتى جاء حين من الوقت، وتغيرت الأمور، فالناس القدامى فقدوا الدفء المألوف، وضاعوا في المكان الجديد، والمبنى الجديد ما عاد يعرف الناس القدامى، رغم أنهم كانوا من المؤسسين كل في مجال عمله، وهم الرواد الأوائل، حدثت قطيعة في الزمن، فلم نعد نعرف إن كان ذاك الإنسان الذي كان بيننا حياً، وأخفته الحياة، أم ودعها ودفن في ثراها؟ فلا يبقى إلا الترحم، وتذكر تلك الأيام، والباقون عادة ما يحبسون دمعاً بارداً في العيون، صامتين، مستسلمين، حيث لا اشتهاء يمكن أن يجلبه الاستسلام، ولا إغواء في الصمت.. وبالصمت عينه ودعنا قبل ثلاثة أيام غير مقمرة الفنان «عدنان الهاشمي»، دون أن يتذكره أحد، ولو بعزف اللحن الجنائزي تأبيناً للحظات الأخيرة في الطريق الأزرق الليلي السرمدي!
غادرنا ذاك الإنسان الخلوق حد حُمرة الخجل، مثلما غادرنا غيره، مثلما سيغادرنا آخرون، ومؤسساتنا تُطبّع القديم، ولا تزهو إلا بالجديد، ولا أحد يسند فناناً منسياً أو شاعراً غامر باتجاه جنون الشعر والإخلاص له، وضاعت منه الأشياء غير لقمة لا تغني ولا تُسمن يتقاسمها وقته، هناك أناس جميلون نُحتوا من التعب، وأضنتهم الدنيا في سبيل أن يقدموا عملاً إبداعياً أو يساهموا في عمل فني وثقافي خلّاق، أجبرتهم الحياة، وقلة الوعي بالمبدع والمنتج المحلي على مطاردة المسافات التي كانت لزاماً أن تقطع من أجل السمو بالحالات، والفرح بالإبداع، لا الهرولة خلف مؤسسات تختلط عليها الأمور، وتتشابه عندها الأشياء.. لا تتذكرون إلا إن ذُكّرت، ولا تستودع الناس المبدعين المخلصين خيراً وحافزاً وأملاً، إلا إذا ودعونا الوداع الأخير، ضامّين أطرافهم إلى أجنابهم، حينها.. أي قرطاس بشهادة ذبلى قد تفيد أو أي قلم قد يسطر كلماته في وداع المنسيين، والذين ضاعوا خلف حلمهم الذي لم يقدر أن يكبر.. وكبروا هم عليه، ولو لم يشيعهم غير ذاك اللحن الجنائزي نحو زرقة المكان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللحن الجنائزي اللحن الجنائزي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 01:23 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

منتدى الشعر المصري يناقش كتاب "السلطة والمصلحة"

GMT 15:50 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نصائح بسيطة للحصول على مطبخ ريفي أنيق

GMT 05:40 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 00:27 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

جينيفر لوبيز تنزلق على خشبة المسرح أمام الجمهور

GMT 04:35 2014 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

93 لوحة لـ 22 مبدعًا في معرض "ثمرة"

GMT 13:50 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

صبري فواز قيمة مع السنوات

GMT 14:30 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف علي المواصفات الكاملة لـ"كيا سيراتو 2019" الجديدة

GMT 22:03 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

انطلاق معرض تشكيلي في المدينة المنورة

GMT 01:59 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

سعر الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي الخميس

GMT 02:05 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

"هواوي" تطرح هاتف "Y6C" في مصر بأسعار تنافسية

GMT 14:41 2013 الجمعة ,22 شباط / فبراير

صدور كتاب باللغة الكوريّة لقصائد سعاد الصباح

GMT 11:59 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

توقيع "أذان الأنعام" لعماد حسن في شبابيك آخر الشهر

GMT 11:51 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تثير إعجاب الجمهور بحضور عيد ميلاد توأم زينة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates