تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

تذكرة.. وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

السكان الأصليون في معظم مناطق العالم التي حاولت أن أزورها، كانوا متشابهين، وينحون نحو البدائية الأولى، وعيش الطبيعة كيفما وجدت، ووحدهم من طبعوا المكان بمستلزمات احتياجاتهم، وطرق وقايتهم من الطبيعة في مهادنتها أو غضبها، هم من أثث المكان، وجعل العافية والحياة تدّب فيه بطريقة مختلفة، أشعلوا ناراً هنا، وطافوا حولها، واستدفأوا لهبها، واستساغوا ما حرقت من حيوانات فزعة هاربة، فاصطفوها كمعبود، وأدخلوها إلى كهوفهم الرطبة الباردة.
معظم السكان الأصليين في مختلف الأماكن، يخرجون الماء بطريقة تقليدية، ويحيكون ملابسهم وما يسترهم من برد على آلات خشبية بدائية، غير ذلك هم في العادة حفاة جرد خفاف، لا يستر عوراتهم إلا قليل من قماش أو ليف أو جلد، طرق إعداد الطعام إما شوياً على الحطب أو في فخار أو خبزاً في تنور مبني من الطين والقش، وكأن الإنسان الأول اهتدى لهذه الأشياء مرة واحدة، وبطريقة جماعية، نهارهم يكاد يتمطى من كثر ساعاته، نومهم قليل ومتقطع، يحتسون مشروباتهم الروحية المحلية، والتي اهتدوا إليها بطريق الصدفة، ومما يتخمر من فاكهة وثمار على الشجر، جل التسلية تأتي مع المساء، وحين يُظلم الوقت، فتبدأ سرديات العجائز، وقصص الجدود الشجعان، والصيادين الأقوياء، يكسرون ظلمة ليلهم بالغناء والرقص، بعدها يتحولون إلى ذئاب تنام بعين واحدة، حارسين أكواخهم، ومداخل كهوفهم من أي تهديد أو خطر. والخطر يعرفونه، إما حيوان جائع أو غزو من آخر طامع أو زحف حياة جديدة، تريد أن تقتلعهم مما هم فيه من بساطة، وتسخرهم ليكونوا جزءاً من مفاصل في آلة تدور في المدينة جالبة المال للغني، ومستنزفة قوة الفقير، الزمن وحده يخط للآخرين دروبهم في الحياة، بعضهم عاند، وعاد لائذاً بغابته، بعضهم أغرتهم النعومة وإغواءات العيش السهل، فقد رأيت بعضاً ممن تبقى من إنسان إندونيسيا الأول، يمشي حافياً وسط الغاب، ويأتزر بخرقة غير مخيطة، عار من فوق، ولَم يعرف المستشفى ولا المدرسة، ويتزنر بأدوات حديدية قاطعة للدفاع عن نفسه أو اقتناص صيده، يحمل «موبايل» ويتحدث مع أخيه المتسلق شجرة غاب طويلة، بدلاً من ذلك النداء والصياح الإنساني الأول الذي يتجمع بين الكفين، وينطلق من رئتين متعافيتين، كما أن إنسان استراليا الأصلي تجده بلونه المحروق كخشب أبنوس يستقل سيارته المكيفة وسط العاصمة، فرحاً بأضواء المدينة المترقرقة ماء في عينيه، رأيت كاهنة المعبد لأقوام الهند القدماء، والمتمترسين في غابة بجنوب الهند، تستقل الحافلات العامة، وتراجع حسابها البنكي أول كل شهر، وتعود وفي يدها علب أدوية مما تشكو من هرم وتيبس في المفاصل، إنسان أميركا اللاتينية نزل من علياء الجبل، تاركاً أغانيه هناك، وناي القصب هناك، وحاذى السهل، مكتفياً بأناشيد الحنين إلى هناك، لقد اصطادتهم تلك المدن التي تصهل فجوراً، وهي تدجن إنسان البراري الذي يسابق الريح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates