بقلم - ناصر الظاهري
لِمَ برزت ظاهرة الوسم والوشم في المجتمعات الحديثة مؤخراً؟ وأصبحت كتقليد استشرى عند مختلف الأجناس والأعمار، وأصبحت دكاكينه الصغيرة منتشرة على السواحل وفي قاع المدن وأزقتها، والأماكن الموبوءة فيها، لم غزت الملاعب الكروية والساحات الفنية، فتصدر لها المشاهير فيها؟ رغم أن البعض يستعيضون عن الدق والوسم والوشم بطريقة الطبع والرسم، لأن إزالة الوشم من أصعب الأمور.
اليوم.. إن التفت يمنة أو يسرة، ستجد أمامك رجلاً، ومن خلفك امرأة، ومن دونك زوجاً، والوشم مدقوق على الذراع، والظهر، والعنق، واليد، وبعض المراهقين والذين ظروفهم صعبة والمطحونين اجتماعياً تراه على وجوههم، والكثير منه مخفي تحت الملابس، وفي أماكن مختارة، قليل من الناس حول العالم لا تجد وشماً فيه بعدما كان محصوراً على خريجي السجون، ورجال العصابات، وقد بدأ الوشم صغيراً كشيء تجميلي، ثم تحول لعبث «غرافتي» مثل الكتابة على الجدران، ترى أجساد ووجوه بعضهم، وكأنها حائط محطة قطار مهجورة أو في قرية نائية، وقد التقيت مرة بممثل ياباني أو يعمل بالسينما في مهرجان «كان» وصوّرته صوراً عجيبة، لا شيء من وجهه غير موشوم، ويتحلى بصف أسنان ذهب تحت وفوق، حتى إن الوشم سعى إلى يديه، وتمدد كثعبان «كوبرا»، كنت حينها فرحاً بصيد الصور، وخجلت أن أسأله عن تلك الهيئة، واعتبرتها شيئاً من «فناتك» مهرجان «كان» السينمائي.
وزرت مرة.. معرضاً في باريس عن تاريخ الوشم أو «Tattoo» الذي ظهر قديماً مع الإنسان، واستخدمه بداية في وسم أملاكه من الدواب، وعزلها عن أملاك الغير، ووسمت أو دقّت بعض القبائل أفرادها كعلامة مميزة للبطولة والرجولة والتضحية، واتخذت النساء فيها بعض الدق الخفيف على الذقن أو على ظاهر الكف، كعلامات اجتماعية، وتمييز عن الغير طبقياً، وجمالياً، وكان سكان اليابان الأصليون الـ «آينو» يوشمون وجوههم كتقليد اجتماعي، وهنا أدركت لماذا ذاك الممثل الياباني الذي صورته في «كان» مرة، وخجلت من سؤاله، لعبت بوجهه الوشوم، كذلك عرف الفراعنة، والبدو، والغجر، والأمازيغ، والبربر، والماوري في نيوزيلندا، والهاوسا في أفريقيا والكثير من الشعوب القديمة أنواعاً مختلفة من الوشم، والذي كان حينها نوعاً من المعالجة لبعض الأمراض، ودفعاً للشيطان، والتعويذات السحرية، والحماية من العين والشر، وغيرها من المعتقدات، حتى الجنسية، والتعبير عن الحب والوفاء، لكن اليوم وما يظهر على جلود ووجوه الناس المتحضرين يفوق ما كان يفعله أولئك البشر البدائيين، لقد تعقدت أمور حياة البشر في الوقت الراهن والمعاش والمادي، ورجع يبحث عن روحانيات مختلفة، واختار الوشم كطريقة قديمة معبرة عن ذلك، وعبدة الشيطان دليل واضح لرمزية تلك الوشوم.. وغداً نكمل.