تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

تظل نفسي تدفعني لفعل أشياء بسيطة أعتقد أنها من الخير، وجميل الإحسان، وأمر يبهج القلب، ولا يجعله في سكونه، مرات أشعر أنني حارس للمدينة غير معلن، وعليّ مسؤوليات جسام أمام البسطاء، ومن يلتمسون الفرج في الوجوه، وأحياناً أوقظ النفس الأمّارة بالحب، وأقول: لا تحمّلها أشياء أثقل منها، لأن حزنها كبير، وتؤلمك ردات فعل الناس، مثل نكران الجميل أو معاملتك بما تنطوي عليه مضغات أكبادهم، غير أنك كلما تبت من عمل الخير والطيب ردتك نفسك لفرح ذلك الصبي الذي في داخلك، والذي لا يريد أن يكبر، ولا يريد أن يكفّ عن بشارة الخير، ولا عن تلك الدهشة التي يجدها في المدن الكثيرة، خاصة باريس حيث تعود بك أشياؤك الصغيرة تزاغي فرحك، بتقديم الفكة لمن يطلبها ولا يجدها في صندوق المحل الذي تكون موجوداً فيه بالصدفة، وكثيراً ما تقف لسماع موسيقيٍّ يعزف في محطة القطار، ولا يتنبه له الكثيرون أو يمرون مسرعين من أمامه، فتسعدك النقود الصغيرة التي تضعها في قبعته المقلوبة أو في صندوق آلته الموسيقية مع تصفيقة خفيفة أو إيماءة من الرأس تدل على الامتنان أو تجالس بعضاً من كبار السن والمتقاعدين من الجزائريين أو المغاربة ممن شاركوا في حروب فرنسا خارج مياهها الإقليمية، في استراحتهم النهائية يحاولون أن يتذكروا أحداثاً كثيرة كانت في قاع الذاكرة، والآن غابت أو أغبَش ضوؤها أو تجلس تنصت لحديث العجائز الفرنسيات «اليمينيات»، وهن يكلْن السباب والشتائم على الملونين والعرب في فرنسا والمهاجرين الأفارقة، حتى أحياناً تسمع شتائمهن تكاد أن تصل إلى الكرسي الجالس عليه مع أنيسك الكتاب أو الصحيفة.
كان من الفرح أن تقدم تذكرة «مترو» برحابة صدر إلى امرأة أفريقية مرتبكة بوزنها وأثوابها الملونة، وعمامة رأسها، ولكنتها الأفريقية التي تشبه بهاراتهم الساخنة النافذة أو تخفف عن حاجّة مغاربية بعمر جدتك بثوبها «الحايك» الأبيض، ولثام الستر على وجهها، والخوف من الأشياء التي لم تعتدها في مدينة يغلب عليها الرجس، فتأخذ بيدها ولا تريد أن تودعها، لأنها أشعرتك لحظتها، وكأنها أم تبحث عن ولدها الغائب الوحيد، والذي لا تعرف عنوانه، إلا من خلال رسائل كاذبة كان يرسلها في أوقات متباعدة، بغية لقلبها أن يهدأ، فتكف عن الشفقة والسؤال، لكنها تتبع حدسها وأحلامها أنه يقبع خلف زنزانة حديدية في غرفة ضيقة، كنت تريدها لو تقول: ابني لو تبقيني أسابيع في بيتك! لكنه «النيف»، فتساعدها للوصول إلى مبتغاها، ولو تعطلت، لأن للسعادة ضريبة، والعجلة لا تجلب الفرح أحياناً.
كنت تفعل كل تلك الأمور بشيء من الحبور والفرح معتبراً إياها جزءاً من تفاصيل تعشقها في شوارع باريس والمدن الأخرى، لكنْ هناك جبروت للزمن، كيف قدر أن يسرق منك فضول وبساطة الماضي، وكيف عمل على تخشبك، وزاد من تربصك، وشكك في الأشياء والناس؟ وأنك لم تعد ذلك الإنسان الآخر ، ذلك الصبي الساكن في الداخل، والذي لا يحب أن يكبر ، والذي ربما لا تعرفه اليوم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 19:45 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

محمد صلاح يؤكد سعادته بفوز فريقه على ساوثهامتون

GMT 12:49 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف 4 مقابر لأطفال في أسوان أحدهم مصاب بشكل خطير

GMT 19:26 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:34 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

أحدث إطلالات جيجي حديد في اول ظهور لها في نيويورك

GMT 20:55 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

4 وفيات اثر حادث تصادم على الطريق الصحراوي

GMT 15:33 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

أنواع فيتامين "الأوميجا" تعمل على تغذية الجسم

GMT 14:42 2013 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وحيد حامد في ضيافة خيري رمضان في برنامج "ممكن"

GMT 19:05 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

3 تطبيقات مجانية لمراقبة أداء أجهزة "آيفون"

GMT 14:49 2013 السبت ,06 إبريل / نيسان

الإعلام يساهم في تغير المجتمعات نحو الأفضل

GMT 10:43 2013 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة : غسل اليدين يزيد الطالب تفوقاً

GMT 00:49 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أفضل عطر نسائي للمرأة العاملة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates