تعب القلب من الحب

تعب القلب من الحب

تعب القلب من الحب

 صوت الإمارات -

تعب القلب من الحب

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

أبصرت هذه المرأة الاستثنائية منذ أن وعيت الحياة، وسميتها «خالتي»، كان ذاك في بداية التأتأة، وتشكل الكلمات، كانت الشاهدة على ولادتي في حارة «الربينة» المجاورة لنخيل العين وأفلاجها، والشاهدة على ولادة أخوتي التسعة، كان أبي يسميها خالتي، وكانت أمي تسميها «خالتي»، فقد ربتها صغيرة، مثلما ربت أخيها الذي سمته «سالم» على والدها، وكان خالي يسميها «خالتي»، وزوجة خالي «مريم» تسميها خالتي، وأخو أمي غير الشقيق «سعيد بن هادي» يسميها خالتي، حتى أدركت أن وصفها بخالتي يشاركني فيه الكبار والصغار، وأنها خالة الجميع، وأنها ربّت الجميع والكثير حتى أولاد أحفادها.
كانت «فاطمة بنت سالم بن حارب» ذاكرة المكان، وذاكرة الناس الأولين، لها حضورها وودها وضحكتها التي تشاطر مجالسيها، وحديثها الهامس الدافئ بالكلمات التي تطرزها بالترحيب والتبجيل والتَشَرّه على الآخر، كانت وحدها، وبقيت وحدها، سيدة مقامها وحضورها، بعض النساء هن سعة البيت، وهن دفئه، وصوته، حسّه إذا ما غاب حس الرجال، وهن رائحته المعطرة بالطيب والبخور، والكرم والجود.
ظل قلب الخالة يحب، ويربي ويشفق، ولا يميز، كانت من أولئك النساء من وطر الأولين الذين لا يتعبون من الحب، ولا يشتكون، ويعدون ابن الجار ولداً، وينكرون على بنت الجيران، لأنها غالية بنت الغالية، رزقت بولدين من زوجين، وسمت كل منهما «حمد»، كنت أراها دائماً متأنقة، وكنت أسأل أمي صغيراً: لما خالتي تحمل فنجان قهوتها معها أو تصرّه في شيلتها أينما ذهبت؟ كانت ترفه، وتحب التجمل، وتزهو بأشيائها، وتفرح كثيراً بالحياة.
عاصرت الكثير، ورأت من الدنيا الكثير، ومرّ عليها الكثير، بين أفراح وأتراح، لكنها لم تتغير أو تتبدل، فنفسها الطيبة هي التي كانت تقودها، وتقدمها للناس، عاشت حتى بلغت التسعين أو تجاوزت بقليل، وحدها السنوات الأخيرة اشتكت من أوجاع لم تكن تحبها في الجسد، واشتكت من ذاكرة كانت تراهن عليها لآخر العمر، لكن ذاكرتها الأوليّة بقيت طريّة، فكانت تتذكرني صغيراً، ولا تتذكر أسماء أولادي الذين يسمونها خالتي، تذكرني بحوادث قديمة، ولا تذكر أني زرتها في العيد، رغم ذاك كانت الأجيال تتعاقب والأبناء أصبحوا جدوداً، وهي لا تتعب من الربى والعطف والتنشئة، والكل من كان صغيراً أو كبر ظل يسميها خالتي.
خالتي.. وقد تجاوزت التسعين، وليلة رأس السنة الهجرية، قررت أن تترك ذاكرتها في رؤوسنا، وذكرها في نفوسنا، واستطابت الرحيل، لأن قلبها الكبير تعب من الحب فقط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعب القلب من الحب تعب القلب من الحب



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates