تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

في رحلة البحث عن الذات التي قد تأتي للإنسان مبكراً، حسب النضج والمعرفة، وما مر عليه من تجارب حياتية، وإن تأخرت تلك الرحلة فلا شك أنها تأتي مع عمر الأربعين، كنت من أولئك الذين بدأوا تلك الرحلة مبكراً، واستعنت عليها بالقراءات والأسفار والأسئلة الكثيرة، فلم أترك شيئاً كان يعين الروح على السمو، فزرت في كل المدن في العالم مساجدها ومعابدها وكنائسها ومراقد الأولياء الصالحين، وبيوت النساك التي بحجم إنسان دائم الصوم والسجود، تتبعت سير ودروب العارفين ودراويش الحكمة، سهرت ليالي مع موسيقى الغجر ورقصاتهم، ثملت بموسيقى أميركا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، رقصات الصوفية وأناشيدها، الحضرات وطربها الذي يجعل الجبين يتعرق عشقاً، وتلك الموسيقى التي تنشدها الشعوب في عز وجعها أو زهو فرحها، كانت المسارح ودار الأوبرا ملاذاً حين تريد الروح أن تهدأ، مثلما لم أمنع الجسد من إغواءات الحياة الراقية، فلم أحرمه من فرحه بالمطر، ومن عشقه للخريف في باريس، ولا من شتاءات في بيوت خشبية تظل تناغي ندف الثلج المتساقط مثل تسابيح من السماء، غامرت باتجاه صيوف بقرب البحر، وعلى ظهر جبل، وفي قرى وأرياف تنعم بالماء والخضرة.
في رحلة البحث عن الذات في جدلية الروح والجسد، كان يقلقني ما يقترفه بعض الناس الذين يؤمنون بالتطهر من رجس الجسد، ويجاهدون لكي يسلموا الروح في وضعية يكون فيها الجسد خانعاً، خاضعاً، فيفنون وهم في وضعية أقرب للصلاة والاستسلام المقدس في نقطة بعيدة، كقمة جبل أو أعلى منطقة من الأرض إلى السماء، وفي الأديان المختلفة، كان الكثير يتمنى لحظة اللقاء السماوي على سجادة صلاة أو في وضعية يحبها الرب أو في مكان مقدس أو بقعة طاهرة!
الفنانون والأدباء كانوا يتمنون تلك اللحظة وهم أقرب لساعة الوعي والوحي الإبداعي، قريبون ممن يحبون، بعيدون عما يكرهون، «تولوستوي» حين ضاق به الجسد، ولم يتحمل روحه الثورية ترك هكتارات الأرض المزروعة، وعتق فلاحيه، وودعهم، وهجر زوجته، وذهب بعيداً، ووحيداً ليسلم الروح، وهو متخلص من ثقل الحياة، وما يمكن أن يكبل الروح، تماماً مثل بوذا حين أراد لروحه التطهر، ذهب ليتعلم من الحياة، ويعلم الناس، خالد بن الوليد أمضى جل حياته في ميدان المعارك، وكان يريد لنهايته أن تكون هناك، لكن روحه فاضت على سرير كان يكرهه طيلة حياته، والمسيح ضحى بالجسد من أجل صعود الروح، وخلاصه كان من أجل أتباعه، وتطهير نفوسهم من الآلام! فكرة انتحار بعض المبدعين والمشاهير في التاريخ، رسائلهم الأخيرة تشير إلى أنهم كانوا يريدون خلاص الروح من عذاباتها، والأسئلة الكبيرة التي لم يعرفوا إجابتها.
الجوع والصوم، ونبذ مباهج الدنيا، كانت جزءاً من خلاص الروح وانعتاقها من رسن الجسد، كانت طريقة عند الكثيرين المشغولين بالتطهر النهائي والأبدي! النبي سليمان بن داوود أوتي ملكاً عظيماً، وسخرت له الريح والجن، وعلم منطق الطير، وألين له الحديد والقطر، وعاش أمداً، لكن حين أراد تسليم الروح دخل المحراب وصلى متكئاً على عصاه، ولم يعرف جنودُه من الإنس والجن بخبر موته إلا حين وجدوا مِنْسأتَه -وهي العصا بلسان أهل الحبشة- قد أكلتها دابة الأرض، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا، فباتت تأكل منها أياماً وليالي، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد أسلم الروح، وفني الجسد منذ عام!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة

GMT 07:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

كتابيه لـ عمرو موسى الأكثر مبيعًا في مهرجان الكويت

GMT 08:23 2013 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مراسلو الإذاعة في ميادين مصر لرصد الاحتفالات الشعبية

GMT 14:28 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الوجبات الخفيفة تعزز طاقة الجسم وتحميه من الجوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates