بقلم - ناصر الظاهري
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، فقط تذكرت مطربينا الشعبيين الذين كانوا على بساطتهم وطيبتهم وسليقتهم، كنا نحبهم ولا ندري حقيقة ما يفعلون بالفصحى حينها، وكنا نردد أغانيهم كيفما كانوا يغنونها، تذكرتهم اليوم من باب التفكه والتندر، وذكر محاسنهم، لا سيئاتهم، لأنهم كانوا يسعون إلى الكلمة الطيبة والراقية، فقط كان يخونهم التعبير بتلك الفصاحة، وضبط الأوزان، والتحكم في الإيقاع.
كان المطربون الشعبيون في الخليج يلعنون أبا سافل اللغة العربية الفصحى في سالف زمانهم، وغابر أيامهم، ولا يكتفون بغلطة «مر ظبياً سباني» ناصبين الظبي، لاعتقادهم أن الظبي لابد، وأن تنصب له لصيده، والمفروض يرفعونه على أكتافهم لأنه تشبيهاً لفتاة أحلامهم، المهم يا ليت كانت الأمور تصل عند هذا الحد، وتقف، لا.. تجدهم يتسلطون على يتيمات الدهر من قصائد العرب، وهو مرتقى صعب، لا يصل إليه إلا الجهابذة الفَهّامة، والنوابغ العَلّامة، والبعض من أولئك المطربين الشعبين، «العلام والله أنّه.. وإذا كان في شوية علم، يضيعه ذلك الوطني المغشوش»، خاصة أبو ضرس ذهب، حين يريد أن يتميلح، تلقاه يسطو مباشرة على قصيدة النابغة الذبياني في وصف المتجردة، وتعال اسمع كيف ينفضون هو وربعه عظام «سيبويه وحمارويه، ونفطويه»، وكل أئمة العربية الذين ضربوا آباط الإبل في طلب العلم بها، ودراستها وضبطها، ويتم الواحد من مطربينا الشعبيين إما يجرّ ربابته أو يخرط عوده على مطبات العربية الفصحى، حتى لا يبقي على عرق صحيح فيها، المشكلة في أصحاب «المراويس» و«الكورس»، الذي وراءه، كلهم مصدقينه، ويرددون الغلط وراءه بحماسة منقطعة النظير، ولا فيهم واحد عاقل، يقدر يقول لـ: «أبو وائل.. ترا الحال منصوباً دائماً، وها.. الله.. الله يا «أبو فهميس ترا أخوات كان، لسن مثل أخوات إنّ، الله خلق، وفَرّق»، وإلا هذاك المطرب الذي يشبه العوالة، أحد يقدر يرمّسه بعد ما يكح، ويبدأ في خرّط أوتار عوده، على قصائد ذي القروح امرئ القيس أو مجنون عامر المتشبب بليلى أو منشد الدهر المتنبي، وإلا ذلك القصير القوي، ما يرّها إلا على ذلك المتين صاحب الطبل العود، بعدها كل أفراد تلك الفرقة تجدهم مثل طيور «بيبي مَتّوه»، وحين يرى تلك الاستكانة بادية على محياهم، يمد رجلاً، ويقول آن لي أن استريح، ويفتح دواوين شعراء العربية، وهَاتِها يا ساقي. ظلت العربية الفصحى تتأرجح على ألسنة العامة، وقدوتهم مطربيهم المحبوبين، حتى جاء جيل مثقف من المطربين، فحاولوا تصحيح النطق، واستقامة اللغة، بعيداً عن خرّط العود غير المدوزن دائماً، والتجني على النحويين الراقدين تحت ثرى تعبهم وجهدهم واجتهادهم، ولا أحد كان منهم يترحم عليهم أو يبلل تلك اللبنة الرطبة التي تحت رؤوسهم.. كانت أيام مغنى وطرب وأصالة، وإن خان البعض التعبير، لكن كانوا يقدرون باجتهاداتهم وجهدهم، لهم التحية والتقدير، وما قلناه سالفاً إلا من باب التفكه، وسرقة الضحكة، وتقريب الفصحى من البسمة، والبُعد بها عن التجهم والتقوقع والتخشب خاصة في عيدها الجميل.