بقلم : ناصر الظاهري
الحديث عن المرأة، وفِي يومها، حديث نصف الكأس المليء، حديث النصف المنتج، لا المعطل في المجتمع، فالمرأة هي مبتدأ الحديث، وهي خبره، من أجلها قامت حروب، وبفضلها هدأت حروب، كانت منذ الأزل سند وعضد الرجل، لكنه غمطها حقها، وتسيّد عليها في المكان والمكانة، وقدّس ذلك التسيّد بنصوص تخال للسامع أنها مقدسة، فعزلها عن الحياة العامة، وأفرد لها جناحاً من الستر والسواد والظلمة في بيته، لا بيتها، فقد كانت لعصور غبرت تورث مثلها مثل المال والحلال وبقية المتاع، كل أدوارها الكبيرة في التاريخ كانت من خلف حجاب، ومن وراء الحاجب، لم تظهر بوضوح على المسرح السياسي إلا منقبة، لا يهتدي الكثير لملامحها، حتى الشعراء لم ينصفوها، بالرغم أنهم توجوها كأغلى شيء على الرأس، لكنها كانت مفضوحة الجسد، كاشفة، عارية، لا تسترها كلمات الغزل المتجسدة في الإغواء، وحضور جسدها الأنثوي الطاغي بكل التفاصيل، ربما بعض الحضارات انتبهت للمرأة، ولدورها المقدس في الحياة، فأطاحت عنها كثيراً من الأعباء، ومنحتها الحق في التصرف في جسدها ومالها، وممارسة حقوقها الإنسانية، ورغم ذلك ظلت دروب تفوق المرأة وبروزها قليلة ومنحصرة، وتكاد تكون فيها مسيّرة.
إن نضال المرأة عبر التاريخ من أجل رد اعتبارها، وإثبات حقها وكينونتها لم يكن متراكماً، ولا جهداً متواصلاً حتى القرن الثامن عشر، حيث بدأت المرأة تخرج من الصمت إلى التبليغ والعلن، والانسلاخ عن ظل الرجل، وطلب العلم، ونشدان المعرفة.
كان فضل العلم والثقة بالنفس والخروج للعمل كبيراً ومؤثراً في إعطاء المرأة مكانتها الجديدة في المجتمعات، وتنازل الرجل على مضض عن كثير من أنانيته لرفيقة دربه، وعماد البيت والمجتمع، في حين بقيت المجتمعات الشرقية والمجتمعات الجاهلة تُمارس عليها عبودية من نوع جديد، لكن هذه المرة واصلت ثورتها وجهادها بفضل الوعي التراكمي، وبفضل تجاربها التي دافعت عنها بقوة، لتؤسس لها مكانة جديدة في كل المجتمعات.
في يوم المرأة الإماراتية هناك ومضات من نور، وهناك شخصيات من فخر زانت سماءنا، وعطرّت سيرة مجتمعنا، منذ قرن أو يزيد إذا ما أردنا التوثيق، فطوال حياتها كانت ملازمة للرجل، وتكاد تعمل ضعف عمل الرجل، فهي في الحقل معه، وفِي البر معه، وفِي البيت تعمل لوحدها، وتسد عنه، وحده البحر الوحيد الذي لم تمتهن العمل فيه، كانت راوية وشاعرة وحكيمة شعبية ومعلمة، وحين ولد الاتحاد، أعلى من شأنها، وميزها، وسخر لها كل أنواع التعليم والخدمات، ومكّنها من العمل في كافة المجالات، وكل التخصصات.
يوم المرأة هنا.. أو هناك، هو يوم فخر وتقدير وحب لهذه المرأة التي نسكن إليها، وتسكن شقنا الشمال، ونتوجها بتاج الظفر دوماً وأبداً.. تحية لكل امرأة، تحية لأم الإمارات، تحية لتلك المرأة التي لا تتعب من الحب.
الكاتب