بقلم : ناصر الظاهري
كانت في الزمن البعيد مدينتان مفضلتان لزيارة العائلات الميسورة في الإمارات، خاصة في فصول الصيف، «بومبي» الهندية، و«شيراز» الإيرانية، وهما مدينتان مختلفتان، ولا تتشابهان إلا في ما نريد، الأولى تشعرك أنك في مهرجان دائم أو «طماشا» على حد قولهم وقولنا، والثانية مدينة خضراء جنوب إيران تقع على سهل جبل «زاغروس»، مدينة وادعة، وغنية ثقافياً وتاريخياً، كانت في زمانها إحدى الفراديس الجميلة والبهية، قليل منا من لحق على «شيراز»، وإن زارها كان صغيراً، ولا يتذكر منها ما يتذكر «شوابنا» من خيراتها، ورغيد عيشها، لأنه أتى عليها زمن لم تكن تحلم أن تعيشه، فقد غيّر وجهها، ودفنها حيّة، بقيت «بومبي» هي التي لحقنا عليها في غض شبابنا، وحضتنا عليها تلك المناظر والمشاهد السينمائية في الأفلام الهندية، فبدأ زحفنا إليها مع أواخر السبعينيات، وأيامها من يزور «بومبي»، فهو «باشا»، لأنه يظل يسرد عن تلك الزيارات أشهراً، لكن أيام الهند الجميلة، كانت أيام الدراسة الأولى في الجامعة، أيام الشباب و«الكشيش والشارلستون والقمصان الملونة المزررة»، كانت الرحلات إلى بومبي في الإجازات الدراسية والإجازات الطارئة التي تأتي كهدايا غير منتظرة أثناء العام الدراسي، فقد كنا نجد كما وجد الشواب قبلنا أن بومبي ما لنا عنها غنى، وهي على رمية عصا.
نفس هذه المدينة التي تغير اسمها، كما تغير زوارها، لكنها هي لا تتغير، ولا تتغير أشياؤها بسهولة، فالهندي الذي يفتح باب دكانه الخشبي المتقشرة ألوانه من السادسة صباحاً، لو غبت عنه 15 سنة، فستجده على نفس الجلسة، ونفس البضاعة، ونفس الدكان، سيماء المدن الصاخبة أنها تبقى على رونقها، وعليك أنت أن تتحملها كيفما هي، قد تتغير أنت، ولا تعود تأتيها كعادتك، لكنها لا تتغير، وستنتظر قدومك وهي على حالها.
في هذه المدينة المكتظة بكل شيء، كنت أسكن غالباً في فندقين، يحملان أسماء كبيرة، لكنها بلا نجوم، مثل، «ناشيونال» و«امباسادور»، وهي مرحلة ثانية بعد أن تمرنت أولاً على فنادق بومبي «مسافر خآنه» بنجومها الزائفة نظراً للحاجة، وميزانية الطلبة التي لم تكن دوماً فائضة، أما المرحلة الثالثة فأتت بعد العز، فعرفت فندقي «تاج محل»، و«الأوبراي»، الأول قديم وذو طابع معماري كولونيالي، وإرث هندي مهراجي واضح، يجمع في ردهته التجار التقليديين، وزواّر بومبي من العرب الأثرياء، أو المتمارضين، وطالبي الزواج، فقد كان يومها الزواج من الهند موضة، والعائلات الميسورة، كانت الردهة وصالة الاستقبال تشدخ من العود والبخور ودهن الورد ودهن العود، أما الأوبراي فقد كان فندقاً جديداً وقتها، وببرج وحيد، وربما كان أعلى برج في بومبي، له طابع عصري، يؤمه ممثلو وممثلات السينما الهندية والفنانون والتجار غير التقليديين، من رجال الأعمال، والمنتجين والنصابين في سنغافورة وهونغ كونغ، والمنتفخين من أولاد الهنود اللندنيين.. وغداً نكمل